ولا يوجد حالياً في العالم شركة تجسد الإثارة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “إنفيديا”، التي سجلت أهم وأعظم قصة نجاح في عالم التكنولوجيا خلال 2023، مع ارتفاع سهمها بنسبة 230 بالمئة، ما جعلها الشركة الأفضل أداءً على الإطلاق، في كل من مؤشري Nasdaq100 وS&P 500 بحسب بلومبرغ.
نقطة تحول في مسار “إنفيديا”
فبعد أكثر من ثلاثين عاماً على مباشرة أعمالها، اتخذت شركة “إنفيديا” من العام 2023 نقطة تحول في مسارها، مستفيدة من تسابق شركات العالم، إلى تبني أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، في كل منتج وخدمة وعملية تجارية، ما ساهم وبحلول منتصف عام 2023، بتجاوز القيمة السوقية للشركة حاجز التريليون دولار أميركي لأول مرة في تاريخها، وذلك مع تخطي قيمة سهم الشركة مستوى 400 دولار أميركي.
ولم تكتف “إنفيديا” بالوقوف عند مستوى التريليون دولار، بل استمرت بتعزيز موقعها في نادي شركات التريليون دولار لتبلغ قيمتها السوقية حالياً أكثر من 1.2 تريليون دولار، مع تسجيل سهمها عند كتابة هذا الخبر مستوى قريب من 496 دولاراً، مقارنة بـ 146 دولاراً في نهاية 2022.
من هي “إنفيديا”؟
هي شركة تصميم معالجات وشرائح رسوميات، يقع مقرها في سانتا كلارا في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وهي تقوم بتفويض شركات أخرى مهمة تصنيع الشرائح التي تصممها.
وكانت “إنفيديا” تستعد منذ نحو 14 شهراً، لمواجهة تراجع كبير في الأرباح والمبيعات، ولكنها تحولت مع ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى “مرجع” في عالم التكنولوجيا، وذلك بفضل “شرائح الرسوميات” ذات القدرات الخارقة التي تنتجها والتي لولاها، لما كانت برامج مثل ChatGPT وBard وغيرها من البرامج المماثلة، تتمتع بالذكاء الخارق والقدرة على تحليل البيانات بسرعة فائقة.
شرائح تعمل كالدماغ
تحولت “شرائح الرسوميات” الى المكون الأكثر طلباً في الأسواق خلال 2023، فأي شركة تريد أن تنافس في عالم الذكاء الاصطناعي الجديد، عليها اللجوء الى هذه الشرائح التي تعتبر من أكثر الأدوات أهمية في دعم تطور البرامج والأجهزة الذكية، نظراً للدور الذي تلعبه في تفعيل نماذج التعلم الآلي.
وتعمل شرائح الرسوميات كالدماغ، ومهمتها تفسير التعليمات للمكونات الموجودة في الأجهزة الذكية، إذ لا يمكن لعمليات الذكاء الاصطناعي أن تتم، دون هذه الشريحة التي تمنح أي برنامج أو تطبيق طاقة معالجة للمهام الصعبة.
ورغم وجود الكثير من الشركات التي تصمم “شرائح الرسوميات” مثل AMD و Intel وArm و Xilinx، ولكن لا أحد يفعل هذا الأمر مثل “إنفيديا” التي تتحكم حالياً بأكثر من 85 بالمئة من سوق المعالجات الرسومية، لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في العالم، نظراً لتطور قدرات المنتجات التي تطرحها في هذا المجال والتي لا يملكها أي طرف آخر.
أمر واحد مؤكد
وفي الوقت الذي يدور فيه الكثير من الجدل، حول ما إذا كانت أسهم “إنفيديا” باهظة الثمن أم رخيصة جداً عند مستوياتها الحالية، يرى محللو وول ستريت أن هناك أمراً واحداً مؤكداً، وهو أن لا نهاية للارتفاع غير المسبوق في أرباح “إنفيديا”، التي غذت ارتفاع قيمة أسهم الشركة، متوقعين أن تحقق “إنفيديا” أرباحاً بنحو 48 مليار دولار على مدى الـ 12 شهراً المقبلة، ارتفاعاً من توقعات بتحقيقها 10 مليارات دولار في نهاية هذا العام بحسب بلومبرغ.
يقول عضو اللجنة التنفيذية في المنتدى الاقتصادي العالمي، الدكتور ألفرد رياشي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن مكاسب سهم “إنفيديا”، تأتي وسط حالة من الحماس بين المستثمرين، الذين كثفوا استثماراتهم في أسهم التكنولوجيا خلال عام 2023، وذلك بعد ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي وضخ شركات كبيرة مثل مايكروسوفت وألفابت، استثمارات طائلة بهذه التكنولوجيا الواعدة، فمنذ أن أطلقت شركة “أوبن إيه آي” برنامج “تشات جي.بي.تي” المدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي، اجتذب سهم “إنفيديا” المستثمرين الذين يدركون جيداً أن الشركة تمتلك شرائح رسوميات لا مثيل لها وباهظة الثمن، موجهة الى فئة الشركات التي تضخ استثمارات بمليارات الدولارات في التكنولوجيا الجديدة.
شرائح أقوى في كل عام
يشرح رياشي، أن شرائح الرسوميات التي تنتجها “إنفيديا” لتشغيل الذكاء الاصطناعي التوليدي، يبدأ سعرها من 10 آلاف دولار ومن الممكن أن يفوق الخمسين ألف دولار، وذلك بحسب نوعها.
كما لفت إلى أن الشركات غالباً ما تحتاج لعدد كبير من شرائح الرسوميات، لتطوير سرعة منتجاتها وبرامجها وخدماتها، فمثلاً قد تحتاج مايكروسوفت وميتا وغوغل، للآلاف من معالجات “إنفيديا” كي تجعل خدماتها تدعم تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما يعني أن هذه الشركات، ستنفق لوحدها عشرات المليارات من الدولارات، للحصول وبشكل دوري على شرائح الرسوميات المتطورة، مع الإشارة إلى أن “إنفيديا” تعمد في كل عام على طرح شرائح جديدة أقوى من السابق، ما يدفع الشركات الكبيرة على تجديد تعاملها معها لتواكب السرعات التي توفرها الشرائح الحديثة.
إيرادات أكثر بـ 200 بالمئة
وبحسب رياشي، فإن تهافت المستثمرين على أسهم “إنفيديا”، لعب دوراً في إضافة الشركة لأكثر من 600 مليار دولار على قيمتها السوقية في 2023، لتبلغ مستوى يفوق 1.2 تريليون دولار حالياً، مقارنة بنحو 600 مليار دولار في نهاية عام 2022، مشدداً على أنه رغم وجود الكثير من الشركات المنافسة لـ “إنفيديا” مثل إنتل وAMD وغيرها، إلا أن معظم دراسات السوق تؤكد أن إنفيديا” تسيطر على أكثر من 85 بالمئة من مبيعات شرائح الذكاء الاصطناعي في العالم، وهذا ما رفع إيراداتها خلال الربع المالي المنتهي في نهاية أكتوبر 2023 إلى 18 مليار دولار أميركي، بنسبة ارتفاع فاقت الـ 200 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
3 أنواع من الشرائح دعمت “إنفيديا”
من جهته، يقول رئيس شركة “تكنولوجيا” مازن الدكاش، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن عام 2023 شهد طلباً لا يصدق على شرائح الرسومية الدقيقة التي تصممها “إنفيديا”، وذلك رغم أن الإدارة الأميركية منعت “إنفيديا” من بيع شرائحها المتطورة للصين، لأسباب تتعلق بالأمن القومي، ولكن حظر المبيعات للصين لم يمنع الشركة الأميركية من تسجيل أهم قصة نجاح في عالم التكنولوجيا هذا العام، بدعم من مبيعات 3 أنواع من الشرائح التي تمتلكها وهي شرائح A100 وشرائح H100، وشرائح GH200 التي تتفوق على مختلف بقية الشرائح المتوفرة في السوق.
لم تكن بأحسن أحوالها في 2022
وبحسب الدكاش، فإن “إنفيديا” باتت محط اهتمام الجميع خلال الأشهر الأخيرة، وتفاؤل المحللين بأسهم الشركة يصل إلى حد توقعهم أن يقود سهم “إنفيديا” عملية انتقال حياة البشر إلى المرحلة الجديدة، ليكون الأكثر استفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي، لافتاً إلى أن “إنفيديا” لم تكن بأحسن أحوالها قبل ظهور الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، حيث كانت في نهاية 2022 تحذر من تراجع في الإيرادات والأرباح وتتحضر لمواجهة خسائر، كما أن سهمها هوى بنسبة 51 بالمئة خلال ذلك العام، ولكن هذا المصير تغير في 2023 بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي.
موجة جديدة من المبيعات
اعتبر الدكاش، أن محللي وول ستريت يرون أن لا نهاية للارتفاع غير المسبوق في أرباح إنفيديا خلال 2024، وذلك مع توجه الشركة لطرح شرائح جديدة تحمل اسم B100 خلال العام المقبل، حيث تحمل هذه الشرائح مواصفات غير مسبوقة في العالم، ستعمل على مضاعفة أداء الذكاء الاصطناعي مقارنة بالشرائح السابقة، وهو ما يعني موجة جديدة من المبيعات التي تدخل إلى الشركة إيرادات بعشرات المليارات من الدولارات، مشيراً إلى أنه يؤيد فكرة أن مستقبل جيد ينتظر سهم “إنفيديا” في 2024، ولكن رقم 48 مليار دولار كأرباح الذي توقعه بعض محللي وول ستريت هو رقم مبالغ فيه.