آخر تلك الخلافات بين نتنياهو وغانتس، ما يتعلق بقضية “الموازنة الحكومية لعام 2023″، حيث طالب الأخير بحذف جميع البنود غير المرتبطة بضرورات الحرب، محذرًا من أن الفشل في تحويل جميع أموال الائتلاف التقديرية إلى احتياجات الحرب، من شأنه أن يدفع حزب الوحدة الوطنية إلى التصويت ضد تلك الميزانية المقترحة ويمكن أن يدفعه إلى “النظر في خطواته التالية”.
ويعتقد محللون ومراقبون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الخلاف بين نتنياهو وغانتس ليس وليد اللحظة بل له جذور سابقة، في حين أشاروا إلى أن مضى غانتس في تقديم استقالته من حكومة الحرب سيمثل تحولًا نوعياً في مسار الحرب داخل قطاع غزة، وهو ما يسعى نتنياهو لتجنبه لعدم تورطه في مأزق سياسي يهدد مستقبله الحكومي الراهن.
خلافات حول “الميزانية”
- وفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فإن غانتس ألمح إلى إمكانية السعي لتفكيك حكومة الحرب التي جرى تشكيلها في أعقاب الهجوم المُباغت الذي نفذته حماس يوم السابع من أكتوبر، وكانت تهدف إلى توحيد كافة الأطياف السياسية في تل أبيب خلف هدف واحد يتمثل في استعادة السيطرة الأمنية و”دحر أنصار حماس”.
- في المقابل، أشار مكتب نتنياهو إلى أنه لن يقبل مطالب غانتس، موضحًا أن الاقتراح الذي سيعرض على مجلس الوزراء الإسرائيلي، الاثنين “يُلبي احتياجات الحرب”.
- وكان من المقرر أن تناقش الحكومة الإسرائيلية التغييرات في ميزانية الدولة لعام 2023، بسبب احتياجات الصراع مع حماس في غزة، حيث أصر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على الاحتفاظ بمئات الملايين من الشيكل في أموال التحالف التقديرية الموجهة إلى أهداف ما قبل الحرب.
- قال مصدر مقرب من غانتس للصحيفة الإسرائيلية، إن الموازنة المقدمة للحكومة اليوم هي “إصبع في عين الجمهور”، مبينا أن الموازنة رفعت تمويل المدارس الدينية بمبلغ 500 مليون شيكل، وخصصت 400 مليون شيكل لوزارة البعثات الوطنية “التي ليس لها هدف واضح” والتي يديرها حزب سموتريش.
- أكد غانتس في رسالته إلى نتنياهو، إن وزراء حزبه الخمسة سيصوتون ضد تغييرات الميزانية، قائلًا: “سنعارض صرف أموال التحالف أو أي ميزانية إضافية غير مرتبطة بالمجهود الحربي أو تعزيز النمو الاقتصادي”.
- شدد على أن تخصيص مبالغ كبيرة للاحتياجات المثيرة للجدل التي لا تتعلق بالحرب “سيضر بالمرونة الوطنية والوحدة المجتمعية الإسرائيلية”.
- تتعرض الحكومة الإسرائيلية لانتقادات كبيرة منذ أكتوبر الماضي؛ لـ”فشلها في تقديم الدعم المالي الكافي للمتضررين من الحرب”، بما في ذلك مئات الآلاف الذين تم إجلاؤهم من منازلهم والكثيرين الذين تضررت سبل معيشتهم.
- في مواجهة موجة ضخمة من الانتقادات بسبب الفشل في منع التسلل الصادم لحماس إلى إسرائيل في 7 أكتوبر، تجنب نتنياهو إلى حد كبير الأضواء أثناء خوض حرب على جبهتين إحداهما في مواجهة حماس والأخرى من أجل بقائه السياسي.
تصعيد خطير
من جانبه، اعتبر الأكاديمي والمحلل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن ما بين نتنياهو وغانتس ليس خلافًا طفيفًا لكنه “خلاف حاد وتصعيد خطير”.
وقال أنور إن هذا الخلاف الحاد ظهر في أزمة الميزانية، لأن غانتس لم يطلب تجميد القرار الخاص بالميزانية فقط، بل طلب إلغاء جلسة الحكومة بالكامل، وأكد أن أعضاء حزبه سيصوتون ضد مشروع القانون المقدم.
وأضاف المحلل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أن هذا الخلاف الراهن له خلفيات سابقة، من بينها عدم رضا غانتس عن الأداء السياسي للحكومة بشكل عام، وكذلك عدم تحقق النتائج المرجوة من الحرب في قطاع غزة.
وأشار إلى أن “غانتس رُبما يحاول القفز من القارب بأن يُهدد بتقديم استقالته من حكومة الطوارئ بدلًا من أن تتوسع ويتم ضم شخصيات معارضة أخرى”، معتقدًا أن هذا القرار من شأنه أن يمثل تحولًا نوعياً في مسار الحرب.
لكن أنور يرى أن نتنياهو سيحاول الخروج من هذا المأزق بكسب ود غانتس وربما “استمالته واسترضاءه” للاستمرار في الحكومة وعدم التشدد في معارضة قضية الميزانية.
شعبية غانتس
ويتفق مع ذلك الباحث الأميركي المتخصص في شؤون الأمن القومي سكوت مورغان، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه الكثير من التحديات الداخلية، ويبذل قصارى جهده للتقليل من ذلك، خاصة في أزمة الميزانية الراهنة.
وأوضح مورغان أن غانتس يحظى حالياً بثقة متزايدة بين المواطنين الإسرائيليين منذ هجوم حماس، وبالتالي يحاول نتنياهو تجنب الاصطدام معه و”الأسئلة الصعبة” من الإدارة الأمريكية.
يأتي ذلك في الوقت الذي كشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، أن حزب “معسكر الدولة”، الذي يقوده الوزير الحالي في حكومة الطوارئ، بيني غانتس، حظي بأكبر نسبة من الثقة، مما يمنحه 43 مقعداً في الكنيست، وذلك في زيادة كبيرة في عدد المقاعد، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 7 أكتوبر.
وأوضحت الصحيفة التي أجرت استطلاعها في اليوم التالي لتصويت الحكومة بالموافقة على صفقة المختطفين، أن 52 بالمئة من الإسرائيليين يرون أن غانتس أكثر ملاءمة لمنصب رئيس الوزراء من نتنياهو الذي يدعمه 27 في المئة.
وأشار الباحث الأميركي إلى أن “بنك إسرائيل وافق على أن الحكومة بحاجة إلى إظهار المزيد من المسؤولية المالية أثناء التعامل مع التأثير الاقتصادي لهذا الصراع، لذا فإن الهدف من مكافأة نتنياهو للحلفاء السياسيين هو مصدر قلق حقيقي له في هذا التوقيت”.
خلاف متجددة
- اتفق نتنياهو ووزير الدفاع السابق والمعارض غانتس في 11 أكتوبر الماضي، على تشكيل حكومة طوارئ حرب للمرة الأولى منذ عام 1967، لقيادة البلاد في أزمتها بعيدا عن الخلافات الحادة بينهما، حيث ترك غانتس المعارضة لينضم إلى حكومة الحرب المصغرة.
- رغم أنه عضو في مجلس الوزراء، لم يتردد غانتس في مهاجمة نتنياهو، وخصوصا عندما انتقد قادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية بسبب هجوم حماس.
- كان غانتس، الذي أخل نتنياهو باتفاقه معه سابقا في حكومة وحدة في فترة كورونا، يدعو إلى الإطاحة برئيس الوزراء، بسبب احتضان ائتلافه المتشدد للمتطرفين، ومحاكمته المستمرة بالفساد، وسعى الائتلاف لتقويض الضوابط القضائية على الحكومة.
- في مطلع الشهر الجاري، طلب غانتس من نتنياهو حذف تغريدة يقول فيها إن احتجاجات جنود الاحتياط وتهديد بعضهم بعدم أداء الخدمة العسكرية ربما شجَّعا حركة حماس على شن هجومها على المستوطنات.
- في 29 أكتوبر، هاجم غانتس شريكه نتنياهو، بسبب تغريدة أيضا نشرها، حمَّل فيها رئيس أركان الجيش ورئيس المخابرات العسكرية ورئيس الشاباك مسؤولية الفشل في صد هجوم حماس، حيث اعتبر غانتس أن وقت الحرب يحتاج إلى دعم قيادات وقوات الأمن والجيش بعيدا عن تصريحات تضر “صمود” الشعب.
- مع ذلك، ذكرت إذاعة “كان” الإسرائيلية في وقت سابق، أن غانتس، يعارض أي تحرك سياسي محتمل للإطاحة بنتنياهو، قائلًا إنه لا يمكن استبدال رئيس الوزراء في زمن الحرب.