تأثرت أسواق المال عموماً بعديد من العوامل المختلفة، بما في ذلك سياسات أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية الرئيسية، وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي، علاوة على تأثيرات العوامل الجيوسياسية التي لا يمكن إغفالها، فضلاً عن المُحدد المرتبط بتأثيرات أسعار النفط.
لم تكن بورصات الخليج بمنأى عن تلك التطورات التي تفاعلت معها بشكل مباشر، وقد سجلت في العام 2023 الذي يشارف على الانتهاء محطات مضيئة ممثلة في نجاح الاكتتابات التي شهدتها بعض الأسواق، والتي تفردت بها المنطقة بشكل كبير نسبياً في ظل الأوضاع الاقتصادي العالمية.
بينما يتوقع محللون أن يكون العام المقبل 2024 إيجابياً بشكل واسع بالنسبة لبورصات الخليج، لا سيما في ظل المؤشرات الحالية التي تبعث برسائل مطمئنة للأسواق، بما في ذلك اتجاهات تخفيف السياسات النقدية، وتلميحات الفيدرالي الأميركي إلى ثلاثة تخفيضات لأسعار الفائدة في العام 2024. وذلك جنباً إلى جنب والتوقعات المرتبطة بأسعار النفط.
أبرز العوامل المؤثرة في الأسواق
يقول الخبير المالي والمحلل الاقتصادي، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن ثمة مجموعة من العوامل المؤثرة في أداء أسواق الخليج عموماً في العام 2023، وتنقسم إلى عوامل داخلية وخارجية، أما العوامل الداخلية فهي:
- معدلات النمو الاقتصادي.
- العوامل المرتبطة بأسعار الفائدة.
- نتائج الشركات المدرجة.
- العوامل القطاعية المختلفة (المرتبطة بكل قطاع على حدة).
أما العوامل الخارجية، فتنقسم إلى:
- حركة الأسواق العالمية، وفي مقدمتها الأسواق الأميركية، والتي تؤثر على أداء الأسواق بشكل عام.
- أسعار النفط، ومع وجود مدى سعري محايد.
- أسعار الفائدة وتأثيراتها على الاقتصادات.
- العوامل الجيوسياسية المهمة.
وتبعاً لتلك العوامل، فإنه يعتقد بأن التوقعات الأولية للعام المقبل 2024 هي توقعات إيجابية، فمن شأن التطورات الداخلية والخارجية ومع استمرار الطروحات الأولية أن يسهم في إنعاش الأسواق.
ويقول إنه خلال العام 2023 كانت الاكتتابات ناجحة إلى حد كبير بشكل عام، وأسهمت في تعميق الأسواق الخليجية ورفع مستويات السيولة، لا سيما في أسواق المملكة العربية السعودية وأبوظبي ودبي.
- جمعت عمليات الإدراج في أسواق المنطقة خلال 2023 نحو 10.5 مليار دولار، أي أقل من نصف المبلغ الذي تم تحقيقه قبل عام، إلا أن ما حققته المنطقة العام الجاري هو ثالث أفضل أداء منذ عام 2007، بحسب بيانات “بلومبرغ”.
- استحوذت منطقة الخليج على نحو 45 بالمئة من إجمالي أحجام الطروحات العامة الأولية في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا هذا العام، مقارنة مع 51 بالمئة في 2022.
الاكتتابات
في العام الماضي، بلغت عائدات الاكتتاب العام في الشرق الأوسط ما يقرب من 23 مليار دولار، وفي عام 2019 بلغت 31.2 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى طرح “أرامكو” السعودية القياسي بقيمة 29.4 مليار دولار.
كما يتحدث الطه عن أثر العوامل الجيوسياسية الذي ظهر خلال العام على أداء الأسواق، مستشهداً بأنه في شهر أكتوبر الماضي، وبسبب تداعيات الحرب في غزة كانت هنالك تبعات سلبية، مع تخارج بعض الاستثمارات من الأسواق الخليجية نتيجة العامل النفسي بالنسبة للمستثمرين الأجانب، ومن ثم عودة تلك الاستثمارات بعد ذلك في نوفمبر بعد الاطمئنان حول طبيعة التداعيات، وهو ما كان له أثر في ارتفاع الأسواق خلال الشهر.
ويشار هنا إلى معضلة تراجع صافي الاستثمارات الأجنبية ببورصات دول الخليج، فخلال 11 شهراً بلغت نسبة التراجع حوالي 90 بالمئة لتصل إلى 2.4 مليار دولار.
ويعول الطه بشكل رئيسي في الفترة المقبلة على “انتقاء الاكتتابات والطروحات العامة” في الأسواق الخليجية خلال العام المقبل، مشيراً إلى قدرة تلك الأساوق على جذب السيولة. ويستشهد هنا باكتتاب “بيور هيلث” الناجح.
وتنتظر الأسواق الخليجية في العام المقبل عدداً من الاكتتابات، منها اكتتابات طيران ناس وسبينس دبي، وشركات تجارة إلكترونية مثل Floward وشركة Tabby التي تعمل بنظام الشراء الآن والدفع لاحقًا.
محطات بارزة
ورغم التحديات الواسعة التي واجهت الأسواق، فقد سجلت عديداً منها مجموعة من المحطات البارزة، فبالنسبة للسوق السعودية على سبيل المثال، فقد شهدت عديداً من التطورات خلال العام 2023، يأتي على رأسها الطروحات الجديدة، وذلك بدخول سبع شركات للسوق الرئيسية، بقيمة بلغت حوالي 11 مليار ريال. كما شهد العام قيام 27 شركة مدرجة وصناديق برفع رأس مالهم بقيمة تجاوزت الـ 54 مليار ريال. علاوة على ذلك شهدت السوق مجموعة من الإجراءات التنظيمية الجديدة.
وقال كريستيان كابان، رئيس أسواق رأس المال في “بنك أوف أميركا” في أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا:
“التوقعات قوية للغاية بالنسبة للاكتتابات العامة الأولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2024″، طبقاً لما ذكرته بلومبرغ. وأضاف: “ربما يكون الفرق بين عامي 2023 و2024 هو أننا نتوقع في عام 2024 رؤية المزيد من الشركات الخاصة تدخل السوق، بما في ذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة”.
توقعات إيجابية
وبالعودة لحديث الطه، فإنه يشير إلى أن “العام المقبل سيكون جيداً، لا سيما أيضاً وأنه من المرجح أن نشهد خفض أسعار الفائدة (من جانب الفيدرالي الأميركي) وهو ما سيحدث في أفضل السيناريوهات في مارس المقبل ولثلاث مرات.. والتخفيض التدريجي سيقود بدوره إلى التحفيز على الاقتراض، وبالتالي نشاط الأداء القطاع المصرفي، وهو القطاع صاحب الدور الرئيسي في معظم أسواق الخليج”.
كما يتحدث عن المؤشرات الإيجابية المرتبطة بمعدلات النمو المستهدفة، والتي تؤكدها تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما يبعث بالتفاؤل بشأن العام الجديد.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، من المقدر أن تنمو اقتصادات منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 1 بالمئة في عام 2023، قبل أن تعاود ارتفاعها لتسجل 3.6 و3.7 بالمئة في عامَي 2024 و2025 على التوالي، وذلك مع نمو القطاعات غير النفطية، بنسبة 3.9 بالمئة في 2023، ونسبة 3.4 بالمئة على المدى المتوسط بدعم من الاستهلاك الخاص المستدام والاستثمارات الاستراتيجية الثابتة والسياسة المالية التيسيرية.
وعلى مدار العام، جاء سوق دبي كأفضل أداء ضمن الأسواق الخليجية، في ظل ما حققته الأسهم المدرجة من مكاسب ومع ارتفاع الطلب من المستثمرين المحليين والأجانب.
وفي الربع الثالث المنتهي في آخر سبتمبر الماضي، انفردت مؤشرات أسواق الأسهم الإماراتية بالمكاسب، مقارنة بباقي أسواق المنطقة الخليجية، بدعم من الارتفاعات القوية التي طالت أسهم العقارات والبنوك، وصعدت القيمة السوقية الإجمالية للمؤشري دبي وأبوظبي بمقدار 33 مليار دولار.
ما الذي يحمله العام 2024؟ مؤشرات 2024.. والمفاجآت واردة
من جانبه، يعتقد المحلل الاقتصادي الكويتي، محمد الرمضان، بأن العام الجديد 2024 قد يعد عاماً إيجابياً آخر بالنسبة للأسواق الخليجية، لا سيما في ظل عدد من المؤشرات التي ترتبط بها أداء تلك الأسواق، وهي (الإنفاق الحكومي، والاستثمارات الخارجية التي تعمل على إنعاش وتعزيز الأسواق، وأسعار النفط، والعوامل العالمية “الخارجية” الأخرى).
فيما يتعلق بالعوامل الخارجية أو العالمية التي تؤثر على الأسواق، يوضح الرمضان في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن التقارير كافة صارت تقلل من احتمال الدخول في ركود واسع في الولايات المتحدة والأسواق الرئيسية الأخرى، وهذا يعطي انطباعاً إيجابياً ويجعل الأسواق في وضع جيد تنتعش فيه خلال العام المقبل 2024.
ويضيف: “هناك عوامل أساسية داخلية مرتبطة بالإنفاق الحكومي وحجم الأجانب الذيني دخلون السوق ويسهمون في إنعاش الاقتصاد، وأسعار النفط المستقبلية وتوقعاتها.. هناك عوامل كثيرة، ومن الصعوبة بمكان وضع توقع ثابت، لكن بشكل عام لا يوجد شيء مخيف تواجهه الأسواق”.
ويتابع الرمضان في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “ما هو مخيف أو مقلق غير موجود في الوقت الحالي بالنسبة لأسواق المنطقة.. الإيرادات النفطية جيدة، وكذلك الإنفاق الحكومي، علاوة على فرص النمو الكبيرة والواعدة، وهذه العوامل هي محرك رئيسي للأسواق في المنطقة.. لكن لا أحد يعلم ما المفاجآت التي يُمكن أن تحدث (..)”.