وقبل يومين فقط من نهاية الألعاب الأولمبية في نسختها الـ33، كانت آمال تونس تتضاءل في تحقيق ميدالية ذهبية، خصوصا أن الوفد التونسي دخل الألعاب بعدد ضئيل جدا من الرياضيين لم يتجاوز 26 لاعبا، غادر أغلبهم المنافسات.
لكن فراس القطوسي، تفوق على منافسه الإيراني مهران برخورداري بنتيجة 2 ـ 0 في الدور النهائي ليهدي تونس أول ذهبية في أولمبياد باريس والثالثة في الألعاب الحالية بعد فضية لاعب المبارزة فارس الفرجاني وبرونزية لاعب التايكواندو خليل الجندوبي.
واستطاع القطوسي (28 عاما) أن يحرز الميدالية الذهبية الأولى لرياضية التايكواندو والسادسة في تاريخ مشاركات تونس في الألعاب الأولمبية، في وقت كان السباح السابق أسامة الملولي آخر من صعد على منصة التتويج في الألعاب، وذلك قبل 12 عاما عندما أحرز ذهبية 10 كيلومتر للسباحة في المياه المفتوحة خلال دورة لندن 2012.
وفضلا عن إنجازه التاريخي لتونس، أصبح القطوسي الذي يشارك لأول مرة في الألعاب الأولمبية، ثاني لاعب تايكواندو عربي يفوز بالذهبية بعد الأردني أحمد أبو غوش خلال أولمبياد ريو دي جينيرو 2016.
وداخل صالة “رولان غاروس” في العاصمة الفرنسية باريس، قدم فراس القطوسي، عرضا رائعا في كل مبارياته في مسار التتويج بالذهبية، قبل أن يحقق الفوز في النهائي ويفجر فرحة تاريخية في الأوساط الرياضية التونسية وبين الجماهير التي كانت تدعمه بقوة في قاعة النزال الأولمبي.
طموحات محدودة وعزيمة كبيرة
وكشف القطوسي عقب تتويجه بالذهبية أنه جاء لخوض منافسات الألعاب الأولمبية من أجل تحقيق نتائج جيدة، لكنه لم يكن في البداية يحلم بالذهب، مضيفا في تصريحات تلفزيونية مباشرة عقب إنجازه التاريخي: “أنا سعيد حقا بهذا التتويج، خضت كل مبارياتي بتركيز كبير وبثقة وعزيمة، في الحقيقة لم أكن أعتقد أني سأحرز الميدالية الذهبية، ولذلك أعتبرها أعظم إنجاز تاريخي في مسيرتي”.
وتابع القطوسي الذي توجه للجماهير التونسية في قاعة رولان غاروس لتحيتها بعد إنجازه الرائع: ” كانت هناك بعض المقابلات صعبة جدا، خصوصا في نصف النهائي أمام المنافس الأمريكي لكن الحمد لله أني نجحت في النهاية في الفوز والصعود على منصة التتويج، أهدي هذا الإنجاز الركبير لكل من آمن بي وساعدني ودعمني، الخطط التي اعتمدتها مع الإطار الفني كانت موفقة وأعطت ثمارها”.
وخاض البطل التونسي مسارا بطوليا في منافسات التايكواندو لوزن 80 كيلوغراما، إذ فاز في ثمن النهائي على الأسترالي ليون سيرانوفيتش بنتيجة 2-0.
وفي ربع النهائي حقق القطوسي الفوز على الدنماركي إيدي هنريك 2-0، أما في نصف النهائي فقد تأهل بطل التايكواندو التونسي، الذي يخوض مشاركته الأولمبية الأولى، على حساب وصيف بطل العالم الأمريكي كارل نيكولاس 2-0.
وبدأت مسيرة فراس القطوسي مع رياضة التايكواندو منذ الرابعة من عمره، حيث برز شغفه بالرياضات القتالية منذ طفولته، وزاده حماسة الكبير وإمكانياته البدنية في الوفاء للعبته المفضلة حيث أبدع في ممارسة الأنشطة القتالية، لينضم إلى نادٍ للتايكواندو للأطفال، حينها لاحظ والداه ومدربه أنه يمثل بالفعل مشروع بطل واعد، ليبدأ بالفعل مسيرة خارقة توجها بالذهب الأولمبي.
مسيرة بطولية
وشهدت مسيرة البطل الأولمبي التونسي مراحل متقلبة إذ انقطع عن ممارسة التايكواندو في سنة 2918، وبعدها بعام واحد عاد لحلبات النزال من جديد، وقال القطوسي: “بعد أن انقطعت عن المنافسات عدت بقُوّة وآمنت بحظوظي، وتمكنت بشكل تدريجي انطلاقا من عام 2019 من المشاركة في عدد من البطولات العربية والألعاب الإفريقية، إلى أن وصلت إلى منصة التتويج الأولمبي وهي رحلة لم تكن سهلة بالمرة”.
وكان القطوسي فشل في التأهل لمنافسات الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، مما أثر أيضا على مشواره الرياضي، لكنه قال بعد ذهبية باريس إنه عمل كثيرا من أجل فرض نفسه على الصعيد الأولمبي، قبل أن يقول إنه يهدي الميدالية الذهبية لكل الشعب التونسي.
وحقق لاعبو التايكواندو في تونس أفضل النتائج الأولمبية للبلاد، حيث لم تغب هذه اللعبة عن منصات التتويج في آخر 3 دورات أولمبية، وحققت على الأقل ميدالية واحدة منذ ريو دي جينيرو 2016.
وبعد برونزية أسامة الوسلاتي في 2016، فاز محمد خليل الجندوبي بالميدالية الفضية في طوكيو 2020 وكرر إنجازه في النسخة الحالية، بتتويجه ببرونزية وزن 58 كيلوغراما، فيما كان الإنجاز الأكبر لفراس القطوسي في وزن 80 كبلوغراما.
وأهدى فراس القطوسي تونس الميدالية الذهبية السادسة في تاريخ مشاركاتها الأولمبية، والسابعة عشرة في إجمالي الميداليات في تاريخ البلاد.
ويعود أول إنجاز ذهبي في تاريخ تونس مع الألعاب الأولمبية، إلى مكسيكو عام 1968، عندما نجح أسطورة ألعاب القوى، محمد القمودي، في إهداء بلاده أول ذهبية أولمبية وذلك في سباق 5000 متر، وهو الحدث الذي بقي راسخا في سجلات الرياضة التونسية، طيلة 40 عاما بالتمام والكمال.
وفي نسخة بيكين 2008، أهدى السباح أسامة الملولي، تونس ذهبيتها الثانية وذلك في سباق 1500 متر لنسخة بكين عام 2008، قبل أن يصبح أول رياضي تونسي يفوز بالذهب في نسختين متتاليتين، بعد فوزه بذهبية سباق 10 متر في منافسات السباحة في المياه المفتوحة.
وفي النسخة ذاتها، تألقت العداءة البطلة حبيبة الغريبي، صاحبة الميدالية الذهبية في سباق 3000 متر موانع، لتصبح أول رياضية تونسية تحصد الذهب الأولمبي.
وفي النسخة الماضية في طوكيو أحرز أحمد أيوب الحفناوي الميدالية الذهبية للسباحة في سباق 400 متر سباحة حرة بعدما أصبح بعمر 18 عاما، أصغر رياضي تونسي وعربي يتوج بذهبية أولمبية في تاريخ الألعاب.