في مذكرة صدرت أخيراً، قال محللون في باركليز إن الاستهلاك المرتبط بالاستثمارات الضخمة في شرائح الذكاء الاصطناعي هو التكلفة “غير المخفية” للذكاء الاصطناعي، والتي لا يأخذها سوى عدد قليل من المستثمرين في الاعتبار عند تحليلهم لتقييم هذه الشركات.
الاستهلاك أو الإهلاك هو أسلوب محاسبي يسمح للشركات بتوزيع تكلفة الاستثمار الرأسمالي على مدى عمره الإنتاجي. وهذا يعني أنه عندما تشتري شركة تكنولوجيا ضخمة رقائق GPU بقيمة مليارات الدولارات، فإنها لا تسجل ذلك على الفور كنفقات، بل كنفقات رأسمالية، وفق تقرير لـ “بيزنس انسايدر” اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه.
ويمكن أن يؤدي هذا إلى تحقيق أرباح كبيرة مقدماً، حيث لا تظهر النفقات الرأسمالية في بيان الأرباح والخسائر للشركة على الفور، بل يتم تسجيلها كنفقات إهلاك على مدى العمر الإنتاجي للأصل.
وفيما يتعلق بالشركات العاملة في هذا القطاع، فإن المشكلة الكامنة هي أن العمر الإنتاجي لشرائح وحدة معالجة الرسومات الخاصة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أقصر بكثير مما يتوقعه الكثيرون، خاصة وأن شرائح الذكاء الاصطناعي تمر بدورة ابتكار متسارعة باستمرار، مما يؤدي إلى نفقات استهلاك أعلى من المتوقع مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض الأرباح.
ستكون تكاليف الاستهلاك المرتبطة بشرائح وحدة معالجة الرسومات كبيرة للغاية لدرجة أن بنك باركليز يخفض تقديراته لأرباح شركات الحوسبة السحابية العملاقة ألفابيت وأمازون وميتا بنسبة تصل إلى 10 بالمئة بحلول العام المقبل.
ونقل التقرير عن محلل الإنترنت في باركليز، روس ساندلر، قوله: “إن انخفاض قيمة أصول الحوسبة الذكية هو أكبر نفقات هذه الشركات الرائدة.. نعتقد بأن هذا خطر قد يظهر برأسه القبيح مع بدء التطلع إلى عام 2025، لذلك نحذر منه مبكراً”.
استثمارات ضخمة
مع قيام شركات التكنولوجيا الضخمة بإنفاق مئات المليارات من الدولارات على شرائح وحدة معالجة الرسوميات باهظة الثمن من أمثال إنفيديا ، فإن تكاليف الاستهلاك الهائلة سوف تتراكم على مدى السنوات القليلة المقبلة، خاصة مع تحول إنفيديا إلى إيقاع إطلاق منتجات جديدة بمعدل منتج واحد سنوياً.
ووفق المدير الإداري والاستراتيجي التقني لشركة Baird تيد مورتونسون، فإنه نظراً إلى أن شركة إنفيديا لديها دورة تصميم عدوانية للغاية تمتد لحوالي عام بين الإصدارات الرئيسية، فإن كل هذه المنتجات لها انحرافات ووظائف وملفات تعريف طاقة مختلفة”.
وقال مورتون “إنها رياح معاكسة”، مضيفاً أنها كبيرة بما يكفي للتأثير على التقييمات وإرسال أسهم الذكاء الاصطناعي إلى الأسفل خلال العام المقبل.
- تشير تقديرات بنك باركليز إلى أن إجماع وول ستريت يقلل من تقدير حجم تكاليف الاستهلاك على مدى العامين المقبلين.
- على سبيل المثال، يتوقع البنك أن تسجل شركة ألفابت تكاليف إهلاك بقيمة 28 مليار دولار في العام 2026، وهو ما يزيد بنسبة 24 بالمئة عن التقديرات الإجماعية الحالية البالغة 22.6 مليار دولار.
- بالنسبة لشركة ميتا بلاتفورمز، فإن التفاوت بين تقديرات الاستهلاك التي أعلن عنها باركليز وتقديرات وول ستريت أكثر اختلالا، حيث بلغ 30.8 مليار دولار مقابل 21 مليار دولار على التوالي، وهو ما يمثل تكاليف محتملة أعلى بنسبة 47 بالمئة من المتوقع في العام 2026.
وقال ساندلر من باركليز: “أسهم غوغل وميتا وأمازون أغلى بنسبة تتراوح بين 5 بالمئة و25 بالمئة من تقديرات الإجماع بالنظر إلى هذا النمذجة الخاطئة، في رأينا”.
وأضاف: “بينما لا نعتقد بأن التقييمات مبالغ فيها مقارنة بعصر فقاعة تاريخي مثل العام 2021، فإن طفرة الذكاء الاصطناعي سلطت الضوء بشكل أكثر إشراقًا على ما إذا كان التوسع المتعدد لشركات التكنولوجيا الكبرى مبررًا، لذلك في ضوء هذه الخلفية من المرجح أن يتم التدقيق في انقطاع الاستهلاك (وبالتالي التقييم).”
إحدى طرق المحاسبة التي يستخدمها المديرون الماليون لشركات التكنولوجيا العملاقة هي تمديد العمر الإنتاجي لأصول الخوادم الخاصة بهم من خمس سنوات إلى ست سنوات أو أكثر، حيث سيؤدي ذلك إلى توزيع التكاليف على فترة زمنية أطول وتخفيف التأثير على الأرباح. ولكن حتى هذا له حدوده بسبب السرعة التي تصدر بها إنفيديا شرائح GPU الجديدة.
وكما أوضح ساندلر “لا نرى أي قيود ضخمة لتمديد العمر الإنتاجي للخوادم بعد هذا الجدول الزمني الذي يمتد لست سنوات، حيث تتزايد أزمنة دورة وحدات معالجة الرسوميات بسرعة. والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن القيود الضخمة من المرجح أن تضطر إلى تحمل تكاليف الاستهلاك الأعلى في المستقبل، على عكس السنوات القليلة الماضية عندما كانت تحدث تعديلات العمر الإنتاجي”. وبالنسبة لمورتونسون، فإن الأمر كله يعود إلى العائد على رأس المال المستثمر في الذكاء الاصطناعي.
الإهلاك
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، العضو المنتدب لشركة “آي دي تي للاستشارات والنظم”، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- مصاريف الإهلاك مبدأ محاسبي معروف تأخذه الشركات دائماً في الاعتبار، ومن المؤكد أن هذه المصاريف تؤثر على أرباح الشركات، ولكن لها طبيعة مختلفة عن باقي المصاريف.
- على الرغم من أن المصروف يعني عادةً مبلغاً تدفعه الشركة من النقدية التي تمتلكها، إلا أن الإهلاك ليس كذلك؛ فالدفع الفعلي يتم عند اقتناء الأصل، في حين يتم توزيع تكلفة اقتناء الأصل على عدد من السنوات التي تمثل العمر الافتراضي لهذا الأصل. بالتالي، يتم استهلاك الأصل الذي دفع سعره مرة واحدة على مدار عدد من السنوات، مما يقلل من ربحية الشركة بقيمة التكلفة التي أضيفت في الميزانية كمصاريف إهلاك.
- العمر الافتراضي للأصل يختلف حسب طبيعة هذا الأصل. فالأصل الثابت مثل المبنى يتم استهلاكه على مدار عديد من السنوات، في حين أن الأثاث على سبيل المثال له عمر افتراضي يختلف تمامًا عن السيارات. وتختلف أيضًا أجهزة الكمبيوتر أو الأصول التكنولوجية الأخرى والرقائق وغيرها التي تكون أكثر سرعة في حساب تكاليف إهلاكها وتقليل قيمتها.
ويستطرد: من المهم الإشارة إلى أنه حتى لو وصل الأصل إلى “صفر” بعد استهلاكه بالكامل، فإنه لا يعني خروجه من الخدمة، بل يستمر في الاستخدام. ولكن عملية الإهلاك تعكس مدى الاستفادة منه بشكل كامل كما كان مخططًا له عند اقتناء الأصل، بناءً على حساب أن التكلفة التي تحملتها الشركة سيتم استهلاكها على مدار عدد من السنوات.
ويقول سعيد:
- تنخفض الأرباح نتيجة حساب مصروف الإهلاك المخصص لقيمة الأصول، مما يؤدي إلى انخفاض صافي الأرباح.
- وعلى الرغم من أنه في السنة الثانية أو الثالثة أو الرابعة لا تقوم الشركة بإخراج نقدية فعلية في مقابل هذا المصروف الذي تم حسابه في الميزانية كمصروف إهلاك، إلا أنه من المهم أخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى دفع مبلغ آخر لاقتناء أصل جديد يمكن استبداله بالأصل المستهلك.
- بالتالي، فإن تكلفة الاستبدال بعد مرور عدة سنوات هي التكلفة التي يجب وضعها في الاعتبار. وأيضًا، الجهة المختصة بالضرائب تعترف بهذا المصروف، على الرغم من معرفتها بأن الشركة لم تصرف هذا المبلغ فعليًا، مما يقلل من العبء الضريبي على الشركة. وهذه التكلفة تكون عادة مخططًا لها منذ اللحظة الأولى لاقتناء الأصل.
شركات التقنية
ويتابع سعيد: أما بالنسبة للأمور التي يتعين الانتباه إليها من قبل المستثمرين، فإن شركات التقنية والشركات العاملة في الذكاء الاصطناعي تمتلك جميع أنواع الأصول، والأصول التقنية هي الأسرع استهلاكًا. لذلك، من المهم:
- أولًا الاهتمام بعمر الأصل وليس فقط استهلاكه، بل يجب استبدال الأصل نظرًا للتطور السريع في المجال التقني، حيث يجب أن تكون هناك ميزانية مخصصة لهذا الاستبدال.
- ثانيا: يجب تقييم مدى مساهمة الأصل في العملية الإنتاجية، ومدى تأثيره وتداخله في هذه العملية.
- لذا، على الجهات المحاسبية الاهتمام بسياسة الإهلاك الخاصة بهذا الأصل، سواء كان ذلك من خلال الإهلاك المتناقص أو الثابت على مدار السنوات.
- كما ينبغي دائماً تخصيص مبلغ معين لاستخدامه في وقت محدد لاستبدال وإحلال هذه الأصول. وبعد إهلاك قيمة الأصل بالكامل ووصولها إلى الصفر، يمكن بيع الأصل، وفي الغالب تكون قيمة الأصل قد تم إهلاكها ولكنه لا يزال قادرًا على العمل، مما يتيح الفرصة للاستفادة منه وبيعه لتحقيق عائد مادي.
الأصول الرقمية
وفي سياق متصل، يقول الخبير التكنولوجي، محمد الحارثي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- التكاليف تؤثر بشكل مباشر على الأرباح، مما يؤدي إلى انخفاض القيمة المحاسبية للأصول الثابتة والمتغيرة.
- هذا الانخفاض يؤثر بدوره على القوائم المالية، ويقلل من نسبة العائد على الأصول والتدفق النقدي.
- المشكلة تكمن في أن هذه التكاليف تؤثر على عملية التصنيع وتزيد من التكاليف الاستثمارية، مما يؤثر سلبًا على الأرباح المستقبلية لشركات التكنولوجيا.
- من الأمور التي تستحق الاهتمام هي الأصول الرقمية والتكنولوجيا، مثل الرقائق الإلكترونية الذكية. يجب على المستثمرين تقييم عمر هذه الرقائق وإمكانية استبدالها ببدائل برمجية. قد يكون من الممكن إطالة عمر الرقائق من خلال تطوير أنظمة التشغيل والبرامج ذات الصلة.
ويضيف: لذلك، يجب دراسة معدلات الاستهلاك وتطوير حلول لتقليلها. كما يجب الاستثمار في الابتكار والبحث عن حلول تكنولوجية بديلة للرقائق الإلكترونية. من خلال المنافسة والابتكار، يمكن إيجاد حلول مبتكرة لإطالة عمر الأصول الرقمية وتحسين الكفاءة.
ويضيف:
- الأصول الرقمية مثل الرقائق الإلكترونية تلعب دورًا حاسمًا في العديد من الصناعات.
- العمر الافتراضي للرقائق يؤثر على التكاليف والاستبدال.
- هناك حاجة إلى استكشاف حلول لتقليل التكاليف المتعلقة بالرقائق، مثل زيادة عمرها الافتراضي أو إيجاد بدائل برمجية.
- الابتكار التكنولوجي يمكن أن يساعد في تقليل الاعتماد على الرقائق الإلكترونية.
- الشركات يجب أن تبحث عن حلول مبتكرة لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.
- المنافسة تدفع الشركات إلى البحث عن حلول أفضل وأكثر كفاءة.