وإضافة إلى التداعيات الأمنية المترتبة على الحرب، تسببت موجة التدفق الضخمة للاجئين السودانيين عبر الحدود في ضغوطات اقتصادية واجتماعية كبيرة على عدد من البلدان المجاورة للسودان.
أضرار اقتصادية
مع تطاول أمد الحرب، تتراجع أنشطة التجارة الحدودية بنسب وصلت إلى 90 في المئة مع بعض الدول المجاورة، مما أدى إلى تبعات كارثية خصوصا بالنسبة للبلدان التي كانت تعتمد على الموانئ السودانية في صادراتها ووارداتها كجنوب السودان وتشاد وإلى حد ما إثيوبيا.
وبدا التأثير أكبر على دولة جنوب السودان التي وجهت لها الحرب ضربة مزدوجة حيث كانت تعتمد كليا على الأراضي السودانية في صادرات نفطها التي تشكل نحو 90 في المئة من موارد دخلها القومي، كما كانت تعتمد على الأسواق السودانية لتوفير أكثر من 70 في المئة من احتياجاتها من المنتجات الغذائية وغيرها.
وأفرزت الحرب في السودان تحديات هائلة على دولة جنوب السودان، حيث ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 200 في المئة بسبب تراجع عائدات النفط، وسط تردي كبير في الأوضاع المعيشية.
وفاقم تدفق أكثر من 650 ألف لاجئ من السودان الأزمات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في جنوب السودان. وفي الوقت الحالي، يواجه 46 في المائة من السكان البالغ تعدادهم نحو 12 مليونا، مستويات أزمة من انعدام الأمن الغذائي.
كما تأثرت دولة تشاد المجاورة أيضا بشكل كبير نظرا لاعتمادها تاريخيا على التجارة الحدودية مع السودان. ويقول المحلل الصحفي المختص في الشأن الأفريقي عبدا لله الجابر “منذ اندلاع الحرب في السودان، ظلت تشاد تعاني من ارتفاع أسعار عدد من السلع التي كان يتم استيرادها عبر الحدود السودانية مثل السكر وغيره من السلع الاستراتيجية”.
ويوضح الجابر لموقع سكاي نيوز عربية “بعد اندلاع الحرب توقفت العديد من الأنشطة التجارية والصناعية والسياحية بين تشاد والسودان”.
انفلات أمني
ظهرت خلال الفترة الأخيرة المزيد من الدلائل على وجود روابط بين مجموعات مقاتلة في عدد من البلدان الأفريقية المجاورة وأطراف الحرب السودانية.
ويتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاتهامات بالاستعانة بمجموعات مسلحة من دول الجوار، ففي حين يقول الجيش إن مجموعات من تشاد وأفريقيا الوسطى تقاتل مع الدعم السريع، نشرت الأخيرة مقاطع فيديو تقول إنها لقوات تتبع لجبهة تحرير تيغراي الإثيوبية تقاتل إلى جانب قوات الجيش السوداني.
وفي مايو قالت الحكومة الإثيوبية في بيان إنها تلقت معلومات تفيد بوجود قوات من جبهة تحرير التيغراي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، مشيرة إلى وجود قوات تابعة لجبهة التيغراي في مخيمات اللاجئين في السودان ولم تدخل إثيوبيا، بعد اتفاق السلام الذي وقع بين الطرفين في بريتوريا، في نوفمبر 2022.
ويؤكد مراقبون أن الحرب السودانية تشكل مصدر قلق لبعض البلدان المجاورة التي تعاني من وجود حركات مسلحة مناوئة لحكوماتها المركزية. ففي إثيوبيا تتقاتل 3 مجموعات مسلحة مع الحكومة الفيدرالية وهي”جبهة تحرير التيغراي” وجيش تحرير الأورومو وحركة “فانو” المنحدرة من مجموعة الأمهرة العرقية وتعرف أيضا بـ “قوات الأمهرة الشعبية”. أما في أفريقيا الوسطى فتنتشر 14 جماعة مسلحة أبرزها تحالف “سيليكا” “تحالف الوطنيين” ويتزعمه الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي و”الجبهة الشعبية” وحركة “محرري أفريقيا الوسطى من أجل العدالة” ومليشيا “أنتي بالاكا”.
وتواجه القوات الحكومية في جنوب السودان حربا مستمرة منذ أكثر من 9 سنوات مع عدد من الفصائل المسلحة التي انفصل بعضها عن الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم البلاد منذ انفصالها في 2011.
ويؤكد موسى شيخو الخبير في الشئون الاستراتيجية الأفريقية أن أي اضطراب في أيا من بلدان المنطقة ينعكس على بقية البلدان، مما يخلق حالة من عدم اليقين الأمني.
ويوضح شيخو في حديث لموقع سكاي نيوز عربية “تطاول أمد الحرب في السودان يؤدي إلى انعكاسات حدودية خطيرة للغاية، ففي ظل الانشغال بالحرب تتراجع القدرة على مراقبة الحدود، مما يفتح المجال أمام سيطرة المجموعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة”.
تمدد الإرهاب
يثير تمدد القتال في 13 ولاية من ولايات البلاد الثمانية عشر مخاوف كبيرة من خلق بيئة مواتية للجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
وخلال الأشهر التي تلت اندلاع الحرب، ظهرت الكتائب والميليشيات الأمنية التي شرع تنظيم الإخوان في بنائها منذ بداية التسعينيات وجند لها آلاف الشباب لحمايته.
وفي ظل تقارير عن وجود مجموعات إرهابية إقليمية، تزايدت المخاوف من استغلال الجماعات الإرهابية عمليات الاستنفار الشعبي وحالة السيولة الأمنية الحالية.
وكانت العلاقة العابرة للحدود مع التنظيمات الإرهابية قد أغرقت السودان في أعمال عديدة في الدول المجاورة خلال العقود الثلاث الماضية تتمثل أبرزها في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في اثيوبيا في العام 1995، وتفجير السفارتين الأميركتين في كينيا وتنزانيا في العام 1998 والبارجة الأميركية “يو اس كول” قرب شواطئ اليمن في العام 2000.
وفي هذا السياق، يقول الأكاديمي والباحث في شئون الإرهاب عبد المنعم همت لموقع سكاي نيوز عربية “يمكن أن تسهم الحرب الحالية في تأجيج الأنشطة الإرهابية في أفريقيا بعدة طرق، حيث يؤدي استمرار الحرب إلى ضعف المؤسسات الحكومية، مما يخلق فراغاً في السلطة يمكن أن تستغله الجماعات الإرهابية لفرض نفوذها والسيطرة على مناطق معينة، خصوصاً في المناطق الحدودية النائية”.
ويضيف “مع تفكك الأجهزة الأمنية وضعف السيطرة الحكومية، يصبح من السهل تهريب الأسلحة وانتشارها عبر الحدود، مما يعزز قدرات الجماعات الإرهابية في السودان والدول المجاورة”.
ويشير همت إلى أن موقع السودان يجعله معبراً مناسبا لشبكات تهريب البشر والأسلحة، والمخدرات والجماعات الإرهابية.
وينبه همت إلى أن الدول المجاورة للسودان مثل تشاد وجنوب السودان تعاني من هشاشة أمنية، ويمكن أن تتأثر بشكل مباشر بالحرب السودانية، مما يعزز البيئة المواتية لتوسع الجماعات الإرهابية في المنطقة.
امن البحر الأحمر
أججت الحرب في السودان المخاوف الأميركية والدولية على أمن البحر الأحمر، خصوصا بعد لجوء السلطة القائمة في بورتسودان للتعاون مع روسيا وإيران من أجل الحصول على السلاح.
ويأتي اهتمام روسيا وإيران بالسودان في ظل تزايد اهتمام القوى الإقليمية والدولية بمنطقة البحر الأحمر، باعتبارها ممرا حيويا لمرور النفط والتجارة الدولية وموقعها الاستراتيجي عسكريا.
وبعد اندلاع الحرب وتغير موازين العلاقات الدولية وتزايد حاجة الجيش للسلاح، تجدد الحديث عن محاولات لإحياء اتفاق وقعته روسيا في 2017 مع نظام عمر البشير الذي حكم السودان خلال الفترة من 1989 وحتى 2019، ويقضي بإنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وهو ما يثير حفيظة الولايات المتحدة الأميركية والعديد من البلدان التي اعتبرت أن إنشاء القاعدة الروسية يشكل خطرا على الأمن الدولي.
ويمتلك السودان ساحلا بطول 700 كيلومتر على البحر الأحمر، الذي تطل عليه أيضا كل من السعودية ومصر وجيبوتي والصومال وإريتريا والأردن واليمن.وسعت موسكو في أعقاب اندلاع الحرب الحالية إلى إحياء المشروع، مقابل تمويل الجيش باحتياجاته من السلاح والعتاد.
ويقول وزير خارجية السوداني الأسبق إبراهيم طه ايوب لموقع سكاي نيوز عربية إن حكومة بورتسودان فى ورطة حقيقية وليس أمامها إلا الاتجاه نحو روسيا لمدها بالسلاح والخبرة العسكرية وربما التأييد فى المحافل الدولية.وتشير تقارير إلى حصول حكومة بورتسودان على تعهدات من موسكو بإمدادات عسكرية ضخمة مقابل الحصول على ضمانات مؤكدة لإقامة القاعدة الروسية على سواحل البحر الأحمر، وامتيازات ضخمة في مجالي التعدين والزراعة.
وتشير تقارير إلى تزايد ملحوظ في الوجود الإيراني في الشواطئ السودانية على البحر الأحمر. وأكدت تلك التقارير توقيع عدد من الاتفاقيات لتعزيز الوجود الإيراني في السودان من خلال أنشطة عسكرية تعنى بالعلاقات الخاصة بالأسلحة والتدريب، وأخرى اقتصادية تمثلها شركات تعمل في مجال التعدين والاستثمارات الزراعية والحيوانية.
- مؤشرات
تعاني معظم دول الجوار السوداني من تبعات تدفق اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية غير حكومية فقد لامس عدد السودانيين الذين عبروا الحدود إلى بلدان مجاورة 3 ملايين شخص اتجه نحو 70 في المئة منهم إلى 4 بلدان مجاورة هي مصر وتشاد وأثيوبيا وجنوب السودان. - تشهد العديد من مناطق التماس الحدودي معارك عنيفة.
وفي حين تشكل الفاشر عاصمة إقليم دارفور التي تشهد قتالا عنيفا منذ أكثر من 4 أشهر عمقا استراتيجيا نحو تشاد وأفريقيا الوسطى، يعتبر محور سنار والنيل الأزرق من المحاور المثيرة للقلق بالنسبة لأثيوبيا ودولة جنوب السودان.
- وسط قلق اميركي ودولي وعربي متزايد،
تسعى روسيا لتنفيذ اتفاقية القاعدة البحرية الروسية التي تبلغ مدتها 25 عاما. وتنص الاتفاقية على إقامة منشأة بحرية روسية في السودان قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية وتستوعب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني، ويسمح لها باستقبال أربع سفن في وقت واحد.