ومن خلال تبني مجموعة من التدابير الرامية إلى خفض تكاليف الاقتراض، خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة على الرهن العقاري القائم بنحو 0.5 نقطة مئوية، ودعم الإقراض الجديد من خلال خفض مستوى الاحتياطيات التي يتعين على البنوك تخصيصها قبل منح القروض.
وقال محافظ البنك المركزي بان جونج شنغ إنه سيخفف أيضا القيود المفروضة على الاقتراض للاستثمار في الأسهم والسندات في البورصات الصينية، مما أدى إلى ارتفاع مؤشر شنغهاي المركب بأكثر من 4 بالمئة في غضون ساعات من الإعلان.
وكان البنك المركزي يستجيب للمخاوف من أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم قد يفشل في تحقيق هدفه للنمو السنوي البالغ 5 بالمئة ، وهو طموح متواضع نسبيا وفقا للمعايير التاريخية.
- لم يحدد بان موعد دخول هذه الخطوات حيز التنفيذ، لكنه قال إن أصولا تصل قيمتها إلى 50 مليار جنيه إسترليني يمكن استخدامها في برنامج البورصة لدعم الاستثمارات الإضافية.
- ولمنح سوق الإسكان حافز إضافي، قال بان إنه سيخفض الوديعة اللازمة لشراء منزل ثانٍ من 25 بالمئة إلى 15 بالمئة.
- وأفاد بأن البنك المركزي يتوقع أن يساعد الجمع بين أسعار الفائدة المنخفضة والودائع المنخفضة نحو 50 مليون أسرة، مما يقلل فاتورة الفائدة الإجمالية بنحو 150 مليار يوان (16 مليار جنيه إسترليني) سنويًا.
وكانت قد اندلعت أزمة متنامية في سوق العقارات في الصين منذ أن شنت السلطات حملة صارمة على الاقتراض المفرط من قبل المطورين، مما دفع عديداً منهم إلى التخلف عن سداد ديونهم. ويواصل مطورو العقارات وملاكها التعامل مع أقساط الرهن العقاري المرتفعة، مما يثقل كاهل قدرتهم على الاستثمار والنمو، بحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه.
ووفق التقرير، فقد تجنب المنظمون إجراء تخفيضات واسعة النطاق في تكاليف الاقتراض، خوفا من أن يؤدي التحفيز إلى إعادة إشعال فتيل طفرة في المبيعات والقيم، مما يؤدي إلى خلق فقاعة عقارية جديدة.
خطوة متأخرة
وقال كبير الاقتصاديين في ناتيكسيس، جاري نغ: “ربما تأتي هذه الخطوة متأخرة بعض الشيء، لكن من الأفضل أن تأتي متأخرة من ألا تأتي أبدا”، مضيفا: “تحتاج الصين إلى بيئة أسعار فائدة أقل لتعزيز الثقة”.
وقال رئيس قسم الاقتصاد الصيني في كابيتال إيكونوميكس، جوليان إيفانز بريتشارد، إن هذه الخطوات تمثل “حزمة التحفيز الأكثر أهمية منذ الأيام الأولى للجائحة”، على الرغم من أنها “قد لا تكون كافية”.
وأضاف أن التعافي الاقتصادي الكامل “سيتطلب دعمًا ماليًا أكبر من التعافي المتواضع في الإنفاق الحكومي الذي يجري حاليًا في طور الإعداد”.
وتستهدف بكين تحقيق نمو اقتصادي بنحو 5 بالمئة بحلول نهاية العام. ومع ذلك، خفضت بعض البنوك الاستثمارية، بما في ذلك غولدمان ساكس ونومورا ويو بي إس وبنك أوف أميركا، مؤخرا توقعاتها لمعدل النمو في الصين هذا العام.
وقال بان إن المزيد من تخفيف السياسة النقدية أمر وارد في وقت لاحق من هذا العام.
تأتي الخطوة الأخيرة في أعقاب خفض كبير في أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبوع الماضي ، وهو ما أعطى الصين الفرصة لخفض أسعار الفائدة الخاصة بها دون الضغط على اليوان.
والخميس، أقرّ الرئيس الصيني شي جينبينغ وغيره من كبار قادة البلاد بأن ثاني اقتصاد في العالم يواجه “مشاكل” جديدة وتعهّدوا حل أزمة قطاع السكن المتواصلة منذ مدة طويلة، بحسب ما أفاد الإعلام الرسمي، نقلاً عن اجتماع “المكتب السياسي”، الهيئة العليا للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، والذي ناقش “تحليل ودراسة الوضع الاقتصادي الحالي”.
ووفق وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) بعد الاجتماع الذي حضره شي، فإن أعضاء المكتب السياسي اتفقوا على الحاجة إلى “تحسين تركيز وفعالية إجراءات السياسة” الهادفة لإنعاش الاقتصاد. كما تعهّدوا “الرد على مخاوف الشعب” في ما يتعلّق بالضائقة الاقتصادية.
وقالت “شينخوا” إن بكين “ستعدّل سياسات القيود على شراء المساكن وتخفض معدلات الفائدة على قروض الرهن العقاري القائمة.. وستدعم بناء نموذج جديد للتطوير العقاري”.
التباطؤ الاقتصادي
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي نضال الشعار، كبير الاقتصاديين في شركة “ACY”، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن التباطؤ الاقتصادي في الصين أصبح موضوع الساعة، موضحاً أن هناك عدة نقاط هامة يجب تسليط الضوء عليها لفهم هذا التراجع.
أولًا، أشار الشعار إلى أن الصين بلغت ذروة ازدهارها الاقتصادي في عام 2021، ومنذ ذلك الوقت بدأت في الانحدار المستمر حتى يومنا هذا. هذا التراجع ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة لتراكم مجموعة من التحديات.
ثانيًا، لفت الشعار إلى أن الصين تواجه تحديًا جادًا مع سياساتها الاقتصادية الحمائية، خصوصًا في دعم الصادرات إلى نسب تتجاوز 30 بالمئة من تكلفة المنتجات الصينية. هذه السياسات، التي كانت مفيدة في الماضي، أصبحت اليوم عائقًا مع تصاعد الردود الحمائية من قِبل الولايات المتحدة، كندا، والاتحاد الأوروبي، والتي اتخذت إجراءات قوية ضد المنتجات الصينية. وكمثال على ذلك، أشار الشعار إلى فرض الاتحاد الأوروبي مؤخرًا رسومًا جمركية تصل إلى 35 بالمئة على واردات السيارات الكهربائية الصينية ردًا على سياسات الإغراق والدعم الصناعي.
ثالثًا، تطرق الشعار إلى البعد السياسي لهذه التحديات، حيث تسعى الصين إلى تشكيل قطب اقتصادي خاص بها، بينما تحاول الدول الغربية، وخاصة الاتحاد الأوروبي، الحفاظ على تفوقها الصناعي في مواجهة المنافسة غير المتكافئة مع المنتجات الصينية المدعومة. وأوضح الشعار أن بعض المنتجات الصينية بدأت تقترب من المستوى التكنولوجي للمنتجات الأوروبية، مما زاد من حدة المنافسة.
وللتغلب على الركود الاقتصادي، شدد الشعار على أن الصين يجب أن تتخذ عدة خطوات:
- تخفيف السياسات الحمائية: يجب على الصين مراجعة سياساتها لدعم الصادرات، حيث أصبحت غير مقبولة في الغرب، وتواجه بردود فعل عنيفة.
- فتح السوق للاستثمارات الأجنبية: دخول الشركات الأجنبية إلى السوق الصيني سيسهم في تخفيف حدة التوترات والمنافسة، ويعتبر خطوة ضرورية لتخفيف القيود الاقتصادية.
- تحفيز الاستهلاك المحلي: يجب تبني سياسات مالية ونقدية تدعم الاستثمار المحلي وتعزز الطلب الداخلي، خاصة أن السوق الصيني يعاني من ضعف في حجم الطلب مقارنة بالفترات السابقة.
- فتح قنوات الحوار مع الغرب: ضرورة دخول الصين في حوار مع الدول الغربية، لتجنب تصاعد العقوبات والرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الصينية.
وأخيرًا، نصح الشعار بضرورة أن تبتعد الصين عن الانخراط في النزاعات الجيوسياسية، مثل التوترات مع تايوان والحرب الروسية الأوكرانية. فهذه النزاعات تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد الصيني، وتزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
والخميس، نقلت وكالة “بلومبرغ” العالمية عن مصادر قولها إن قادة الصين يدرسون ضخ استثمار كبير يزيد عن 140 مليار دولار في بنوكها الكبرى التي تديرها الحكومة، في خطوة لدعم الاقتصاد المتعثر.
وتدرس بكين الآن ضخ ما يصل إلى تريليون يوان (حوالي 142 مليار دولار) من رأس المال في البنوك الكبرى التي تديرها الدولة، وفقًا لما ذكرته “بلومبرغ” العالمية، نقلاً عن مصادر مطلعة على الأمر.
- سيتم تنفيذ هذا الإجراء بشكل أساسي من خلال إصدار “سندات سيادية جديدة”، بحسب بلومبرغ، لكنها أكدت أن التفاصيل لم يتم الانتهاء منها بعد.
- لم تقم الصين بضخ رؤوس أموال ضخمة من هذا النوع في البنوك الكبرى في البلاد منذ الأزمة المالية في عام 2008،بحسب بلومبرغ.
عوامل تعزيز النمو
وفي سياق متصل، نقلت شبكة “سي إن بي سي” الأميركية في تقرير لها، اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه، عن محللين قولهم إن الاقتصاد الصيني المتباطئ يحتاج إلى أكثر من خفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو.
وقال رئيس الدخل الثابت الصيني لدى أبردين، إدموند جوه: “سنحتاج إلى دعم كبير للسياسة المالية لرؤية عائدات أعلى لسندات الحكومة الصينية”.
ووفق التقرير، فلا يزال هناك عجز قدره تريليون يوان في الإنفاق إذا كانت بكين تريد تحقيق هدفها المالي لهذا العام، وفقًا لتحليل أجراه CF40، وهو مركز أبحاث صيني رئيسي يركز على التمويل والسياسة الاقتصادية الكلية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هناك مجموعة من العوامل الأساسية التي يجب أن تتوفر لتعزيز النمو الاقتصادي في الصين.
- أولاً، تأمين وصول المواد الأولية التي تحتاجها الصين لتطوير صناعاتها، حيث تعتمد الصين على موارد خارجية، وتحديداً من القارة الإفريقية، التي تعتبر منجمًا غنيًا بالمواد الخام. وأضاف أن الصين بنت علاقات استراتيجية مع الدول الإفريقية لتعزيز تأمين هذه المواد.
- ثانياً، أشار الحسيناوي إلى أن أي اضطراب داخلي في دول المصدر قد يؤثر بشكل كبير على واردات الصين من المواد الأولية. وأوضح أن أغلب هذه الدول تنتمي إلى العالم الثالث، الذي يعاني من عدم استقرار أمني أو حكومي، مما يزيد من المخاطر الاقتصادية.
- ثالثاً، أوضح الخبير أن تأمين أسواق لتصريف البضائع الصينية يشكل تحدياً آخر، حيث غالباً ما تكون هذه الأسواق في مناطق مأزومة مثل الشرق الأوسط، إفريقيا، وحتى دول أميركا اللاتينية التي تشهد نشاطاً كبيراً للعصابات المنظمة.
- رابعاً، لفت الحسيناوي إلى أهمية تأمين خطوط نقل البضائع، سواء للاستيراد أو التصدير، موضحاً أن معظم واردات الصين من المواد الأولية تمر عبر مضيق ملقا، وهو منطقة شديدة الازدحام، فضلاً عن تواجد القوات الأميركية وحلفائها في تلك المنطقة، ما يشكل تهديداً مستمراً للصين. لذلك، أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق، بهدف تأمين طرق بديلة بعيدة عن مضيق ملقا، واستثمرت في تطوير مجموعة من الموانئ على طول الطريق الممتد من سواحل الصين إلى المحيط الهندي، البحر العربي، وغرب آسيا.
وفي الختام، أشار الحسيناوي إلى أنه لا يمكن تجاهل التحديات الداخلية التي تواجه الصين، مثل النزاعات مع تايوان وهونغ كونغ، فضلاً عن التوترات مع الأقلية الإيغورية المسلمة في غرب البلاد، والتي قد تؤثر على استقرار الصين الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل.
خطوات داعمة
من جانبه، أشار رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن البنك الشعبي الصيني اتخذ خطوتين لدعم الاقتصاد بالأمس، تمثلت الأولى في خفض معدلات الفائدة الأساسية، والثانية في تخفيض الاحتياطي الإلزامي للبنوك بمقدار 50 نقطة أساس. وأوضح أن هذا التخفيض يؤدي إلى ضخ نحو 120 مليار دولار في السوق، مما يسهم في ارتفاع الأسهم الصينية وانخفاض عوائد السندات.
ومع ذلك، يرى يرق أن تحفيز النشاط الاقتصادي في الصين يتطلب حلولًا جذرية أكثر، خاصة بعد أن وصل العجز في نهاية عام 2023 إلى حوالي 3.8 بالمئة. وأضاف أن الدولة الصينية يجب أن تقدم حوافز اقتصادية إضافية وتضخ أموالًا في الاقتصاد، نظرًا لاستمرار تحفظ المستهلك الصيني في الإنفاق رغم السياسات الحالية.
وأشار يرق إلى أن التحفيزات الحكومية ضرورية لتسريع عجلة الاقتصاد، خاصة وأن القطاع العقاري يلعب دورًا كبيرًا في نمو الصين. ومع ذلك، ضعف الاستهلاك المحلي يؤدي إلى تباطؤ النمو. لذلك، يتطلب الأمر تدخلًا حكوميًا أعمق لتحفيز الاستهلاك واستعادة النشاط الاقتصادي.
وأضاف أن الحكومة الصينية بدأت بالفعل دعم بعض القطاعات المحلية، مثل شراء المنازل الفارغة لتحفيز قطاع البناء، وتقديم قروض إضافية لدعم الاستهلاك. لكن يرق يشدد على ضرورة أن تكون هذه الحلول أكثر شمولًا، نظرًا لأن العديد من الشركات العقارية تواجه الإفلاس أو تقترب منه. وأي دعم إضافي للقطاع العقاري من شأنه أن يساهم في تحريك الدورة الاقتصادية.
واختتم يرق بالإشارة إلى أن الفرق بين الصين وغيرها من الاقتصادات هو أن الحكومة الصينية تتبنى سياسات محافظة وتكون بطيئة في ضخ الأموال في الاقتصاد. ولتحقيق مستويات النمو الاقتصادي السابقة، يرى يرق أن الصين بحاجة إلى تعزيز الاستثمارات ودعم المستهلكين لإعادة الاقتصاد إلى وضعه الطبيعي ما قبل جائحة كورونا.