شهدت الساعات الماضية تزايدا ملحوظا في أعداد العائدين الذين أجبرتهم الأوضاع الأمنية والمعيشية السيئة إلى النزوح مجددا من مناطقهم الأصلية خصوصا في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة.
وقدرت بيانات غير رسمية عدد الذين أجبروا على الفرار مجددا من العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة بأكثر من 200 الف خلال الفترة من منتصف سبتمبر وحتى الآن.
خدعة كبيرة
نشرت وسائط إعلامية داعية للحسم العسكري العديد من الرسائل التي تشجع السكان على العودة إلى مناطق سكنهم مدعية قرب “الحسم العسكري” للحرب، لكن كثير من المراقبين اعتبروا تلك الرسائل “مفخخة” وأسهمت في خداع الآلاف من الفارين من مناطق القتال.
ويؤيد عبدالعزيز سيد هذه الفرضية، ويقول سيد لموقع سكاي نيوز عربية “تبددت آمالنا تماما فلم تستمر فرحة العودة سوى ساعات محدودة لنكتشف اننا وقعنا في “فخ” كبير حيث وجدنا أوضاعا أمنية ومعيشية أسوا من تلك التي اجبرتنا على النزوح في بداية الحرب”.
ويضيف “لا أدري كيف نجا أولادي من الموت خلال الساعات التي قضيناها في منزلنا بعد العودة… كانت أصوات الرصاص والانفجارات تحيط بنا من كل الجوانب….لا كهرباء ولا مياه، والمنطقة مظلمة تماما والضوء الوحيد الذي نراه هو شعاع النيران المنبعثة من القصف الجوي والأرضي”.
ويشير سيد إلى صعوبات كبيرة واجهها عندما حاول الخروج مجددا إلى مناطق النزوح، ويوضح “عندما خرجنا في بداية الحرب كان هنالك أكثر من طريق للوصول إلى ولايتي نهر النيل والشمالية، لكن الآن تغيرت الأوضاع بشكل كبير وأصبحت هنالك تعقيدات أمنية تجعل التحرك من مكان إلى آخر أمرا محفوف بمخاطر كبيرة”.
ولا تختلف مناطق أخرى عن الحال الذي عاشه العائدون إلى الخرطوم، فالعديد من سكان مناطق ولاية الجزيرة في وسط البلاد، اضطروا للنزوح مجددا بعد عودة كانت محفوفة بالمخاطر والصعاب أيضا.
وبعد أن شهدت مناطق في شرق الجزيرة هدوءا نسبيا خلال الأسابيع الأربع الأخيرة، تجددت الاشتباكات الدامية في المنطقة يوم الأحد، ما أجبر آلاف السكان على ترك منازلهم مجددا والنزوح إلى مناطق أخرى.
ونشر ناشطون على وسائط التواصل صورا تظهر العشرات من سكان منطقة تمبول في شرق الجزيرة وهم يفرون من منازلهم مشيا وبالدواب بعد أن توقفت جميع وسائل النقل بسبب الأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة يومي الاثنين والثلاثاء والتي أدت إلى مقتل 300 شخص على الأقل.
أسباب منطقية
وفقا لمحمد خليفة أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، فإن الكثير من الذين عادوا إلى المناطق التي فروا منها عند اندلاع القتال لم يتمكنوا من الوصول إلى تقييم حقيقي للأوضاع السائدة.
ويقول لموقع سكاي نيوز عربية “العودة هي أمل لكل من خرج من بيته مكرها ويعيش مرارة النزوح واللجوء، ولذلك عند أول ظهور بادرة إمكانية العودة سارع الكثيرين إليها دون السؤال عما بعد العودة وهل تهيأت الأوضاع على الأرض لهذه العودة وهل المناطق التي تم تحريرها صالحة للعيش حاليا؟ وهل توفر الحد الأدنى من الخدمات مثل المياة والكهرباء واصحاح البيئة المدمرة والملوثة ببقايا الجثث والمتفجرات وغيرها”.
وفي الواقع لا تزال مناطق الحرب تعيش أوضاعا سيئة حيث تنعدم الخدمات من كهرباء ومياه واتصالات وسط ندرة شديدة في السلع الغذائية التي تضاعفت أسعار المتوافر منها بأكثر من 400 في المئة. وتتدهور الأوضاع الصحية بشكل كبير في ظل خروج أكثر من 80 في المئة من المستشفيات عن الخدمة والنقص الحاد في الكوادر الطبية والأدوية المنقذة للحياة.
على من تقع المسؤولية؟
تنشط المنصات الإعلامية التابعة لطرفي القتال تقديم صورة إيجابية للأوضاع السائدة في مناطق سيطرة كل طرف، في حين تتدهور الأوضاع المعيشية والأمنية بشكل متزايد كما تستمر عمليات القصف الأرضي والجوي في العديد من المناطق، مما يؤدي إلى موت العشرات من السكان يوميا.
وفي أعقاب سيطرة الدعم السريع على أجزاء كبيرة من ولاية الجزيرة، سعت الإدارة المدنية التي شكلت هناك إلى جذب السكان الفارين، لكن تقارير صادرة عن هيئات حقوقية وطبية مثل هيئة محامو الطوارئ ونقابة أطباء السودان والعديد من المنظمات الدولية أكدت وجود صعوبات كبيرة تعيق استمرار الحياة بشكل طبيعي.
وبالمثل حاولت منصات موالية للجيش تشجيع السكان الفارين من الخرطوم للعودة، ونظمت حملات مكثفة في هذا الشأن بعد التقدم المحدود للجيش في بعض مناطق الخرطوم نهاية سبتمبر، لكن بدا الوضع مغايرا تماما بالنسبة للآلاف الذين اتخذوا قرار العودة.
وتشير الكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن إلى أن دعوة منصات الجيش الإعلامية وقياداته الميدانية كانت سببا مباشرا ضمن أسباب أخرى لعودة بعض النازحين، الذين سرعان ما تبددت آمالهم وبدأوا البحث عن مخرج مرة أخرى.
وتوضح لموقع سكاي نيوز عربية “الرسائل الإعلامية التي تكثفت في أعقاب التحولات الميدانية المحدودة في نهاية سبتمبر كانت سببا في عودة العديد من النازحين، لكن هذا لايعني ان هناك أسباب أخرى أولها الظروف الاقتصادية التي واجهت عدد كبير من الفارين والتي جعلت حياتهم البديلة جحيم لايطاق، حيث تم استغلال ظرفهم الحرج برفع أسعار السلع وايجارات المساكن في مناطق النزوح، مما جعل الكثير منهم عاجزين عن توفير احتيجاتهم الضرورية خاصة أن أغلبهم فقد مصدر دخله”.