وبالمثل، في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، أدى التعطل في إنتاج وشحن السلع الأولية – خاصة النفط، والصراعات، والقلاقل الأهلية، والظواهر المناخية الحادة إلى تخفيضات في توقعات منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا جنوب الصحراء.
وفي المقابل، تم رفع التنبؤات لآسيا الصاعدة، حيث أدت طفرة الطلب على أشباه الموصلات والإلكترونيات، المدفوعة بالاستثمارات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى تعزيز النمو، وهو اتجاه عام تدعمه الاستثمارات العامة الضخمة في كل من الصين والهند. وبعد خمس سنوات من الآن، يُتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3,1 بالمئة – وهو أداء ضعيف مقارنة بمتوسط ما قبل جائحة كوفيد-19.
وبحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (تحول السياسات، وتزايد التهديدات)، فإنه:
- رغم استمرار تراجع معدل التضخم العالمي، لا يزال تضخم أسعار الخدمات مرتفعا في كثير من المناطق، مما يشير إلى أهمية فهم الديناميكيات القطاعية ومعايرة السياسات النقدية وفقا لذلك.
- في ظل انحسار الاختلالات الدورية في الاقتصاد العالمي، ينبغي معايرة أولويات السياسات على المدى القريب بدقة لضمان سلاسة الهبوط الاقتصادي.
- في الوقت نفسه، يتعين تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحسين آفاق النمو على المدى المتوسط، مع ضرورة الاستمرار في دعم الفئات الأكثر ضعفا.
نمو منخفض نسبياً
في السياق، يشير تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، إلى أن:
- تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر عن الصندوق، يُظهر أن الاقتصاد العالمي عالق في نمط نمو منخفض نسبياً.
- لكن بالنظر إلى الكيفية التي كانت عليها الأمور قبل عامين، عندما كان التضخم عند أعلى مستوياته منذ أربعة عقود وكانت القوات الروسية قد دخلت أوكرانيا للتو، فقد كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ كثيرا.
وكما أشار المستشار الاقتصادي لصندوق النقد الدولي بيير أوليفييه غورينشاس، فإن المعركة ضد التضخم المرتفع انتهت تقريبا، وتم الفوز بالمعركة دون التسبب في الركود العميق الذي خشي منه البعض عندما ارتفعت أسعار الطاقة في العام 2022.
ثلاثة مخاطر
وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة مجموعة من المخاطر التي يُدركها صندوق النقد الدولي، والتي يشير إليها تقرير الصحيفة البريطانية، على النحو التالي:
الخطر الأول يتمثل في تباطؤ البنوك المركزية في خفض تكاليف الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو وإعادة تقييم الأسواق المالية للسيناريوهات الذهبية للاقتصاد العالمي.
وقد صدقت الأسواق بقوة فكرة مفادها أن البنوك المركزية سوف تنجح في تطبيق سياساتها على النحو الصحيح، ومن ثم تقوم بهندسة عودة التضخم إلى المستويات المستهدفة دون ركود. وربما يكون هذا صحيحاً في الولايات المتحدة، ولكنه يبدو أقل وضوحاً في منطقة اليورو.
أما الخطر الثاني فهو أن تتصاعد الحرب في الشرق الأوسط وتؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط. وحتى الآن، كانت أسواق السلع الأساسية “مرتاحة” إزاء التوترات المتزايدة؛ لأنها لا ترى أي خطر وشيك من انقطاع إمدادات الخام، ولكن هذا قد يتغير بسرعة.
ويقول غورينشاس: “إن التصعيد في الصراعات الإقليمية، وخاصة في الشرق الأوسط، من شأنه أن يفرض مخاطر جسيمة على أسواق السلع الأساسية”. وهو تحذير يستحق الاهتمام بحسب الصحيفة.
وأخيرا فيما يتعلق بالخطر الثالث، فهناك احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الشهر المقبل. ورغم عدم ذكر اسم الرئيس السابق صراحة، فإن صندوق النقد الدولي يقدر أن التحول نحو سياسات صناعية وتجارية “غير مرغوبة” من شأنه أن يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 0.5 نقطة مئوية في عام 2026.
التعريفات الجمركية
بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فإن فرض الحواجز التجارية ودعم الصناعة المحلية يوفران دفعة معنوية، ولكن هذه التدابير غالباً ما تؤدي إلى ردود فعل انتقامية وتفشل في تحسين مستويات المعيشة في الأمد البعيد.
ومن غير المرجح أن ينتبه ترامب إلى مخاوف صندوق النقد الدولي، وقد طرح فكرة فرض رسوم جمركية بنسبة 20 بالمئة على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة وضريبة بنسبة 60 بالمئة على السلع الصينية. وإذا فاز في الانتخابات في نوفمبر فسوف يكون تقرير آفاق الاقتصاد العالمي القادم الذي سيصدره صندوق النقد الدولي في أبريل 2025 مثيرا للاهتمام ــ وربما مثيرا للقلق، وفق الغارديان.
- حذر صندوق النقد الدولي من أن تزايد الحمائية العالمية من شأنه أن يعرض آفاق النمو العالمي للخطر، في ظل احتمال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية الشهر المقبل، مما يثير احتمالات فرض زيادات حادة في الرسوم الجمركية.
- في أحدث توقعاته، قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الرئاسية، قال صندوق النقد الدولي إنه يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2 بالمئة هذا العام والعام المقبل.
- لكن توقعات الاقتصاد العالمي حذرت من أنه إذا ضربت الرسوم الجمركية المرتفعة “جزءًا كبيرًا” من التجارة العالمية بحلول منتصف عام 2025، فإنها ستمحو 0.8 بالمئة من الناتج الاقتصادي العام المقبل و1.3 في المائة في عام 2026.
ويأتي تحذير صندوق النقد الدولي في بداية الاجتماعات السنوية للمؤسسة المالية المتعددة الأطراف مع البنك الدولي في واشنطن.
وفي السيناريو الأساسي، توقع الصندوق نمو الاقتصاد الأميركي أسرع قليلا مما توقعه في يوليو، بنسبة 2.8 بالمئة هذا العام و2.2 بالمئة في العام 2025.
ومن المتوقع أن يكون نمو منطقة اليورو أضعف بكثير، وأقل من توقعات صندوق النقد الدولي في يوليو، بنسبة 0.8 بالمئة فقط هذا العام و1.2 بالمئة في عام 2025.
كما خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني هذا العام بنحو 0.2 نقطة مئوية إلى 4.8 بالمئة في ظل كفاح البلاد لتحفيز الطلب. ومن المتوقع أن ينمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 4.5 بالمئة في عام 2025.
وبحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، فإن تقرير تقديرات الصندوق تعكس عن تعبيره عن القلق حيال “استمرار آفاق النمو العالمي المتواضعة في الأمد المتوسط مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة”، ويقدر أن النمو العالمي في غضون خمس سنوات تقريبا من المرجح أن يبلغ نحو 3.1 بالمئة.
خمسة تهديدات رئيسية
من جانبه، يحدد الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، خمسة تهديدات رئيسية تلف الاقتصاد العالمي، تأتي في مقدمتها “التوترات الجيوسياسية” على النحو التالي:
- التوترات الجيوسياسية: تعد من أبرز المخاطر التي تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي. فالصراعات المسلحة، مثل الحرب في أوكرانيا، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن التجارة والتكنولوجيا، والتوترات في منطقة الشرق الأوسط تزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق وتؤثر على التجارة العالمية والاستثمار وسلاسل الإمداد. كما تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة والسلع الأساسية، مما يزيد الضغوط التضخمية.
- التضخم: لا يزال التضخم المرتفع يمثل تهديداً كبيراً للاقتصاد العالمي، مع وجود ضغوط مستمرة على أسعار السلع والخدمات.. الارتفاع في تكاليف المعيشة يؤثر على قدرة المستهلكين على الإنفاق، مما يحد من النمو الاقتصادي. ويعود التضخم جزئياً إلى الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وتكاليف الطاقة المتزايدة.
- تشديد السياسات النقدية: لا تزال أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة.. هذه المستويات تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والاستثمار، وقد تزيد من تكلفة الديون على الدول والشركات، مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد.
- التباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني: يعتبر الاقتصاد الصيني محركاً رئيسياً للنمو العالمي، وأي تباطؤ فيه يمكن أن يؤثر على الاقتصاد العالمي بأكمله. وقد يؤثر التباطؤ في الصين على الطلب على السلع العالمية، خاصة المواد الخام، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار والتأثير سلبًا على البلدان المصدرة.
- المخاطر المناخية: الكوارث الطبيعية المتزايدة الناتجة عن تغير المناخ تُشكل تهديدًا على الاقتصادات، خاصة تلك المعتمدة على الزراعة والسياحة. تغير المناخ يزيد من تكاليف التأمين، ويؤدي إلى خسائر اقتصادية في المناطق المتضررة.
ويوضح أن التوترات الجيوسياسية تتداخل مع معظم هذه التهديدات، إذ إنها تزيد من حالة عدم الاستقرار وتؤثر بشكل مباشر على تدفقات التجارة والاستثمار العالميين، بالإضافة إلى تأثيرها على استقرار أسعار السلع والطاقة.
التوترات الجيوسياسية
كذلك الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، الدكتور رامي القليوبي، فيشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن “التوترات الجيوسياسية لها دور كبير في التأثير على الاقتصاد العالمي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ ففي حال حدوث تصعيد بين إيران وإسرائيل، هناك تهديدات بإغلاق مضيق هرمز، مما سيعطل إمدادات الغاز الطبيعي المسال القطري والنفط المنتج في منطقة الخليج، وهو ما قد يدفع بأسعار النفط للارتفاع.
ويضيف: “لكن على المدى الطويل، إذا وصل سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل (كما تشير بعض التقديرات في أسوأ السيناريوهات)، فقد يؤدي ذلك إلى ركود في الاقتصاد العالمي، ثم يتراجع السعر مجدداً كما حدث في العام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية.. في هذه الحالة، قد يعاني العالم من ركود وأزمة مالية”.
ومع ذلك، يشدد القليوبي على أهمية الاعتراف بأن أطراف الصراع في الشرق الأوسط والدول الغربية حريصون على تجنب الوصول إلى مرحلة الحرب الشاملة، لأنها ستؤدي إلى دمار واسع النطاق. لذلك “لا أعتقد بأن هناك تهديدات وجودية للاقتصاد العالمي بسبب التوترات السياسية الحالية”.
الديون
رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: إن أكثر ما يثير القلق على المدى الطويل هو نسبة الديون المرتفعة، التي ستشكل ضغطاً كبيراً، خاصة على الدول الناشئة. فمع مستويات الفائدة المرتفعة ستزداد الضغوط.
ويضيف: هناك عدة عوامل أخرى لا يمكن إنكارها، مثل التوترات الجيوسياسية التي تخلق حالة من عدم الاستقرار، مما يزيد الضغط على اقتصادات الدول التي تشهد تلك التوترات، خصوصاً في حالات الحروب. الخوف يكمن في أن هذه التوترات قد تؤثر على أسعار بعض السلع مثل النفط، مما يؤدي إلى ارتفاعها، وبالتالي زيادة الضغط على الناتج المحلي للدول. وأي ارتفاع في الأسعار يساهم في زيادة التضخم، مما يؤثر سلباً على اقتصاديات الدول.
بالإضافة إلى ذلك، التوترات تؤثر على سلاسل التوريد وأسعار السلع الزراعية، مما يضيف مزيداً من الضغوط. ويعتقد يرق بأن أكثر ما يبعث على القلق هو نسبة الديون المرتفعة، حيث اقتربت الديون في الولايات المتحدة 36 تريليون دولار، وحتى الصين تعاني من المشكلة ذاتها، مما ينذر بخطر. وعلى المدى المتوسط والطويل، قد نواجه أزمات اقتصادية نتيجة لهذه العوامل التي لم يتم التعامل معها بشكل صحيح من خلال الأسس الاقتصادية وأسواق الدول.