هذه الحزمة، التي أطلقتها بكين بهدف إنعاش الاقتصاد، شجعت المشترين على العودة إلى السوق، ما دفع المبيعات إلى الانتعاش في أكتوبر الماضي، ليكون ذلك أول تحسن ملحوظ لهذا العام.
وتأتي هذه الخطوات ضمن مساعي الحكومة لتحقيق هدف النمو الاقتصادي البالغ 5 بالمئة، رغم التحديات العميقة التي يواجهها الاقتصاد الصيني.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إلى أنه:
- بعد أكثر من ثلاث سنوات من الأزمة، هناك بعض علامات الحياة في سوق العقارات في الصين.
- انتعشت المبيعات في أكتوبر للمرة الأولى هذا العام بعد أن أطلق صناع السياسات أكبر حزمة تحفيز نقدي منذ الجائحة.
- تستعد بكين لإطلاق المرحلة التالية من حزمة التحفيز هذا الأسبوع.
- بدأ المشترون، الذين شجعتهم إشارات الإنفاق الحكومي، في العودة إلى السوق.
- على سبيل المثال، في مشروع جينجيوي مانشن، وهو مشروع تطويري على مشارف شنغهاي، بيعت 188 شقة جديدة، وهي المرحلة الأولى من المبيعات، في أواخر أكتوبر.
- إن تحريك سوق العقارات مرة أخرى أمر بالغ الأهمية لآمال الرئيس شي جين بينغ في إعادة بدء النمو القوي في الاقتصاد الصيني ، الذي عانى في أعقاب الوباء وهو الآن معرض لخطر تفويت هدف العام بأكمله البالغ 5 بالمئة، وفقًا للمحللين.
- كانت العقارات تمثل في السابق أكثر من ربع الناتج الاقتصادي، لكن الحكومة قيدت القطاع في العام 2020 وسط مخاوف بشأن الاستدانة.
ويشير التقرير إلى أن الحزمة المالية المتوقعة ــ بالإضافة إلى التحفيز النقدي الذي تم الكشف عنه في سبتمبر الماضي ــ من شأنها أن تمثل أكبر تدخل منسق من جانب بكين لوقف التباطؤ الذي دفع كبار المطورين العقاريين إلى التخلف عن سداد ديونهم وقوض الثقة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ونقل عن كبير خبراء الاقتصاد الصيني في ماكواري، لاري هو، قوله: “في السنوات الثلاث الماضية، شهد القطاع بعض الإشراقات الكاذبة. وفي كل مرة انتعشت سوق الإسكان في البداية بفضل تخفيف السياسات، لكنه تضعف بعد فترة وجيزة”.
ولكن هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى بوادر انتعاش: فقد ارتفعت مبيعات أكبر مائة شركة تطوير عقاري في الصين على أساس سنوي في الشهر الماضي، في حين ارتفعت أسعار المساكن الجديدة أيضاً، بحسب التقرير.
ورغم موجة التفاؤل، فإن المقابلات التي أجرتها صحيفة فاينانشال تايمز في ست مدن تظهر شكوكاً مستمرة بشأن آفاق القطاع في الأمد البعيد.
فرص وتحديات
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال رئيس مركز القاهرة للدراسات والأبحاث، خالد الشافعي:
- الصين تمثل ثاني أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم، والأولى صناعياً من حيث حجم الإنتاج.
- الاستراتيجيات التنموية للصين تهدف باستمرار إلى رفع مساهمة القطاعات الاقتصادية المتنوعة، بما في ذلك القطاع العقاري، الذي واجه في الفترة الماضية تحديات كبيرة أدت إلى اقتراب بعض الشركات من حافة الإفلاس. ومع ذلك، بدأ هذا القطاع في استعادة عافيته تدريجيًا خلال العامين الماضيين.
- بعودة الاستقرار تدريجياً إلى السوق العقارية، ستتمكن الصين من اقتناص الفرص المتاحة في هذا القطاع عبر وضع استراتيجيات فعّالة، واستغلال قدراتها الكامنة وجميع المقومات المتوفرة لديها، مما يحقق أقصى استفادة اقتصادية.
وأشار إلى عدة عوامل داعمة لاستقرار القطاع العقاري، منها وجود قاعدة عريضة من المستثمرين، ووفرة الأيدي العاملة المؤهلة، ما يسهم في تحقيق نمو مستدام في القطاع.
واختتم الشافعي تصريحاته بالإشارة إلى أن السوق العقارية الصينية في طريقها للتعافي والنمو مجددًا، إلا أن هذا الارتفاع المرتقب يرتبط بعدة عوامل، أبرزها استقرار الأوضاع الجيوسياسية، وكذلك نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، والتي سيكون لها تأثير مباشر وكبير على العديد من القطاعات، بما في ذلك القطاع العقاري ومستقبله في المرحلة المقبلة.
العام المقبل
لكن بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، فقد لا يبدأ قطاع العقارات المتعثر في الصين في التحسن حتى النصف الثاني من العام المقبل ــ حتى مع أحدث تدابير التحفيز، وهو ما توقعته ثلاث شركات بحثية هذا الشهر.
وقال محللون في غولدمان ساكس في مذكرة صدرت في 22 أكتوبر الماضي بعنوان “توقعات العقارات الصينية في عام 2025: القاع في الأفق”: ”لقد وصلنا أخيرًا إلى نقطة تحول في الدوامة الهبوطية المستمرة في سوق الإسكان على خلفية حزمة تيسير شاملة ومنسقة”. وقال التقرير إن “هذه المرة مختلفة عن إجراءات التخفيف التدريجية السابقة”.
ويتوقع المحللون أن تستقر أسعار العقارات في الصين في أواخر عام 2025، ثم ترتفع بمعدل 2 بالمئة في المتوسط بعد عامين. ومن غير المرجح أن تستقر مبيعات العقارات وبناء المساكن الجديدة حتى عام 2027، حسب توقعات غولدمان ساكس.
ونشرت مؤسستا ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية ومورغان ستانلي، الشهر الماضي، أيضًا تقارير تتنبأ بأن سوق العقارات في الصين ستصل إلى أدنى مستوياته في النصف الثاني من عام 2025.
أزمة
وفي تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أوضح الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور جعفر الحسيناوي، أنه رغم تخفيف القيود السابقة التي فرضتها الحكومة الصينية ورغم دعم قطاع العقارات من خلال حزم مختلفة وتوفير القروض الميسرة، وقيام الحكومة بشراء عدد كبير من الوحدات السكنية وتوزيعها على أصحاب الدخل المحدود، إلا أن سوق العقارات في الصين ما زالت تعاني من حالة ركود كبيرة.
وأضاف الحسيناوي أن هناك عديداً من الأبراج السكنية غير المأهولة، بالإضافة إلى هياكل لمبانٍ غير مكتملة، نتيجة ارتفاع الأسعار، والاستثمارات غير المدروسة، مما أدى إلى زيادة العرض مقابل ضعف الطلب في السوق.
وأشار إلى أن معالجة حالة الركود في القطاع العقاري تتطلب حزمة من الإجراءات، تتضمن إطلاق مبادرات ومحفزات أكبر تركز على تعزيز مساهمة القطاعات الاقتصادية المختلفة، بهدف دعم النمو واستغلال الفرص المتاحة للنهوض بالقطاع وتحقيق الاستدامة في معدلات النمو.
مستهدفات تطويرية
من جانبه، أكد الباحث المتخصص في العلاقات الدولية محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن قطاع العقارات في الصين واجه أزمة متفاقمة منذ العام 2020، عندما فرضت الحكومة قيوداً على القروض للمطورين العقاريين والمستثمرين في المجال، مما أثر بشكل مباشر وسلبي على القطاع، وأسفر عن إعلان شركات إفلاسها وتفاقم الأزمة خلال الفترات الماضية.
وأضاف الديهي أن الصين تنتهج هذه الفترة نظرة جديدة نحو القطاع العقاري، تشمل مبادرات تهدف إلى إنعاشه من خلال تطويره وتقديم حزم مالية يتسهم في إعادة تنشيط المشاريع العقارية، مشيرًا إلى أن الحكومة توصي بآليات تمويل أكثر ملاءمة لهذه المشاريع.
وأشار إلى أن الاقتصاد الصيني يسعى باستمرار لتحقيق عوائد تنموية ضخمة، ويُعد قطاع العقارات من القطاعات المهمة لتحقيق هذا الهدف، بفضل مساهمته المحتملة في النمو الاقتصادي. ومع ذلك، يظل التساؤل قائماً حول مدى قدرة القطاع على التعافي سريعًا في ظل موجة الإفلاسات وابتعاد المستثمرين.
وأوضح الديهي في ختام تصريحاته أن الإجراءات الأخيرة التي تتبناها الدولة، قد لا تكون كافية لتحقيق التحول الإيجابي المطلوب في القطاع العقاري، وقد تحتاج الصين إلى خطوات أعمق لتعزيز الانتعاش والتنمية المستدامة في هذا القطاع.