وفي ظل الانقسامات المتزايدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فإن مجموعة العشرين، والتي تمثل منصة محورية للتعاون بين أكبر الاقتصادات العالمية، وتشمل الدول الأكثر تقدماً من حيث النمو الاقتصادي والتأثير العالمي، تكتسب أهمية أكبر من أي وقت مضى في محاولة لتوحيد الجهود لمواجهة التحديات المعقدة التي يمر بها العالم اليوم.
يواجه العالم في الوقت الراهن انقساماً متزايداً على الأصعدة الاقتصادية والسياسية، وهي الانقسامات التي تعكس تبايناً حاداً في السياسات الاقتصادية بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى الخلافات المتعلقة بتغير المناخ والهجرة والمساواة الاقتصادية.
فيما تلعب المجموعة مهماً في التنسيق بين الدول الكبرى لحل المشكلات الاقتصادية والجيوسياسية.
وعلى الرغم من الانقسامات، تظل المجموعة إحدى الأدوات الرئيسية للتفاوض حول قضايا مثل تمويل المناخ، والتجارة الدولية، والضرائب على الشركات الكبرى، والتنمية المستدامة.
ولكن في ظل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة، قد تواجه المجموعة تحديات كبيرة في تحقيق توافق بين القوى الكبرى، خاصة في ما يتعلق بالمناخ والتنظيم المالي الدولي.
ومع ذلك، يبقى الدور الأساسي لمجموعة العشرين في ربط الاقتصادات الكبرى بحلول عالمية تتصدى للأزمات التي تهدد استقرار الاقتصاد العالمي.
وفي ظل الانقسام العالمي الحالي، تظل مجموعة العشرين هي الساحة التي يمكن أن تحقق تقدماً في التعاون متعدد الأطراف، حيث تلتقي القوى الاقتصادية الكبرى على طاولة واحدة لتنسيق سياساتها الاقتصادية والجيوسياسية رغم التحديات القائمة.
أهمية مجموعة العشرين
يُبرز الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أهمية الدور الذي تلعبه المجموعة في الوقت الحالي، مشدداً على أن مجموعة العشرين واحدة من أهم التجمعات الاقتصادية الدولية التي تضم أكبر الاقتصادات المتقدمة والناشئة على مستوى العالم، حيث تلعب دوراً محورياً في التنسيق لمواجهة التحديات العالمية المتزايدة.
ويشدد على أن أهمية المجموعة تتزايد بشكل خاص في ظل الانقسامات العالمية الراهنة الناتجة عن الأزمات الاقتصادية والسياسية. كما يلفت إلى أن المجموعة تؤدي عدة أدوار حيوية في هذه المرحلة، على النحو التالي:
- تنسيق الاقتصاد العالمي: من خلال تعزيز التعاون لمعالجة الأزمات الاقتصادية الكبرى، مثل التضخم وتباطؤ النمو، تسهم المجموعة في وضع سياسات تدعم استقرار الاقتصاد العالمي.
- معالجة القضايا الجيوسياسية: تُمثل منصة مهمة للنقاش بين الدول ذات التوجهات المختلفة، مما يساعد على تخفيف التوترات السياسية العالمية.
- مواجهة التحديات المشتركة: التغير المناخي، الأمن الغذائي، والطاقة من بين أبرز القضايا التي تلتزم المجموعة بالتصدي لها بشكل جماعي.
- تعزيز التجارة الحرة: في مواجهة الحمائية الاقتصادية والعقوبات، تعمل المجموعة على الحد من تداعيات هذه السياسات، بما يعزز الاستثمار والتجارة الدولية.
- تمثيل الدول النامية: تسعى المجموعة إلى ضمان سماع أصوات الاقتصادات الناشئة والدول النامية في صياغة القرارات العالمية.
- التعامل مع الأزمات الصحية: استجابةً للتحديات الصحية مثل جائحة كوفيد-19، تعمل المجموعة على تعزيز التعاون الصحي العالمي.
- إصلاح النظام المالي: من خلال اقتراح سياسات أكثر شمولية وعدالة، تعزز الشفافية المالية وتواجه التهرب الضريبي.
وأكد الدكتور الإدريسي أن المجموعة تسعى للحد من آثار الانقسام العالمي، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء للتوصل إلى حلول مشتركة تعزز الاستقرار والتنمية العالمية.
دور مؤثر
في هذا السياق، يشير تقرير لمجلس العلاقات الخارجية، و هو منظمة أميركية مستقلة هدفها تحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي، إلى أن دول مجموعة العشرين تشكل مجتمعة أكثر من 85 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي، ونحو 75 بالمئة من الصادرات العالمية، ونحو 80 بالمئة من سكان العالم.
وقد ظلت هذه الأرقام مستقرة نسبيا في حين تقلصت المعدلات المقابلة لدول مجموعة السبع، وهي مجموعة أصغر من الديمقراطيات المتقدمة، مع استحواذ الأسواق الناشئة الأكبر حجما على حصة أكبر نسبيا من اقتصاد العالم.
تأسست مجموعة العشرين في العام 1999، لتضم وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من عشرين من أكبر الاقتصادات في العالم. وبعد عقد من الزمان، وفي ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية، تم رفع مستوى مجموعة العشرين لتشمل رؤساء الدول والحكومات.
وينسب العديد من الخبراء إلى مجموعة العشرين الفضل في سرعة اتخاذ الإجراءات؛ فقد قال زميل مجلس العلاقات الخارجية السابق ستيوارت باتريك إن المجموعة “أنقذت النظام المالي العالمي من السقوط الحر”.
وفي عامي 2008 و2009، وافقت دول مجموعة العشرين على تدابير إنفاق بقيمة 4 تريليون دولار لإحياء اقتصاداتها، ورفضت الحواجز التجارية، ونفذت إصلاحات بعيدة المدى للنظام المالي.
ومنذ ذلك الحين، يقول العديد من المراقبين إن مجموعة العشرين تكافح لتحقيق نجاح مماثل في أهدافها المتمثلة في تنسيق السياسات النقدية والمالية، وتحقيق نمو أعلى، واستئصال الفساد والتهرب الضريبي.
أبرز التحديات
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة ACY، الدكتور نضال الشعار، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن مجموعة العشرين ليست غريبة عن التحديات والخلافات، حيث سبق أن أثرت الحرب في أوكرانيا في العام 2022 على تماسكها، مما أدى إلى انقسامات حادة بين أعضائها.
“إلا أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميريكية يُضيف تحدياً جديداً أكثر تعقيداً وشدة؛ نظراً لتأثيره المحتمل على عدة قضايا محورية”، يخلصها الشعار تلك القضايا على النحو التالي:
الحرب في أوكرانيا.. وموقف الرئيس الأميركي المنتخب
- موقف ترامب من الحرب في أوكرانيا يثير قلقاً بين أعضاء المجموعة؛ إذ يرتبط بعلاقاته السابقة والحالية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- وعود ترامب بحل الصراع دون توضيح التفاصيل تُثير توقعات بأن الحل قد يتضمن تسوية تضر بالمصالح الأوكرانية، مما يتعارض مع مواقف أغلب الدول الأعضاء، خاصة دول الاتحاد الأوروبي.
سياسات ترامب الحمائية
- سياسات ترامب الاقتصادية الحمائية، مثل رفع الرسوم الجمركية على الواردات، ستكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي.
- من المتوقع أن تشمل الرسوم زيادة بين 10% إلى 20% على جميع الدول، وزيادة بنسبة 60%على الصين تحديداً.
- هذه السياسات ستضر بدول مثل الاتحاد الأوروبي التي تعتمد بشكل كبير على تصدير منتجاتها للولايات المتحدة. وستتسبب في ارتفاع تكاليف الصادرات، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب عليها، وكذلك تحويل الصين لأسواق جديدة، قد تتداخل مع أسواق الاتحاد الأوروبي، مما يعزز التنافسية ويضر بالصادرات الأوروبية.
العزلة الاقتصادية للولايات المتحدة
- سياسات ترامب التي ترفع شعار “أميركا أولاً” من شأنها أن تقود إلى عزلة اقتصادية جزئية لأكبر اقتصاد عالمي، مما سيؤثر على التعاون الدولي ضمن مجموعة العشرين.
- هذه السياسات قد تمتد إلى عرقلة التجارة الدولية وتبادل التكنولوجيا والخدمات، وكذلك توترات سياسية بشأن قضايا مثل تمويل الأمم المتحدة، حلف الناتو، واتفاقيات التجارة الدولية.
اجتماع المجموعة
وفي ضوء تلك التحديات، يعتقد الدكتور الشعار، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بأن قمة المجموعة ستكون منصبة بشكل أساسي على سياسات ترامب.
وقد يمثل ذلك فرصة للدول الأعضاء للتعبير عن مواقفها بشكل واضح واستباقي تجاه السياسات الاقتصادية والدولية، مما قد يدفع ترامب لإعادة النظر في بعض مواقفه.
ويختتم الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة ACY حديثه بالإشارة إلى أن هذه المرحلة تمثل اختباراً حاسماً لمجموعة العشرين في مواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تغير قواعد اللعبة على المستوى العالمي.
وتهدد عودة ترامب إلى البيت الأبيض بتحول كبير في السياسة الاقتصادية العالمية، حيث من المتوقع أن يعيد ترتيب العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وحلفائها.
سياسة “أميركا أولًا” التي كان يتبعها في ولايته الأولى قد تعني مزيدًا من الانعزال عن الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة التجارة العالمية، مما يزيد من تعقيد التوصل إلى حلول منسقة للأزمات الاقتصادية العالمية.
قضايا خلافية
وبحسب ما نقلته وكالة رويترز عن أربعة مسؤولين شاركوا في المحادثات التي سبقت الاجتماع، فإن مجموعة العشرين تواجه تحديات كبيرة في التوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا رئيسية تتعلق بالمناخ وأوكرانيا وفرض ضرائب على الأثرياء.
وفي مجال تغير المناخ، تسعى الدول المتقدمة إلى أن تسهم الدول النامية الأكثر ثراء في التمويل، بينما تصر الدول النامية على أن العبء يجب أن يتحمله أغنى دول العالم.
هذا التباين يزيد من تعقيد المحادثات، خاصة في ظل التوترات المتعلقة بالانسحاب المحتمل للولايات المتحدة من اتفاقية باريس إذا عاد دونالد ترامب إلى السلطة.
أما بالنسبة للأزمة الأوكرانية، فقد أثرت الحرب في غزة بشكل إضافي على الانقسامات بين الدول الأعضاء، حيث سعى الدبلوماسيون إلى الحد من الخلافات بإدراج فقرة عامة فقط حول السلام واحترام مبادئ الأمم المتحدة، مع ذكر أوكرانيا وفلسطين بشكل منفصل.
من جهة أخرى، شهدت قضية فرض ضرائب على الأثرياء، التي كان يدعمها الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، معارضة شديدة من الأرجنتين، التي رفضت التوقيع على هذا البند في البيان الختامي، في وقت حساس بعد زيارة الرئيس الأرجنتيني مايلي لترامب.