ويتصدر القطاع العقاري قائمة القطاعات المتوقع زيادة التركيز عليها في تنفيذ المشروع الأكبر في تاريخ مصر باستثمارات إجمالية قد تصل إلى 150 مليار دولار.
ووفقًا للرؤية القومية والإقليمية لمنطقة الساحل الشمالي الغربي في مصر، تستهدف الدولة أن تكون مدينة رأس الحكمة في منطقة الساحل الشمالي، مقصداً سياحياً عالمياً، والتي تمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 في مدينة مطروح.
وقد التقطت القطاع العقاري في بورصة مصر الإشارة، وقفز بنحو 18 بالمئة في أول جلسة بعد الإعلان عن المشروع، في الوقت الذي كان فيه مؤشر السوق متراجعاً بنسبة 5 بالمئة. وبما يعكس مدى التعويل على القطاع العقاري بشكل عام، لا سيما وأن البورصة هي مرآة للاقتصاد.
يُبشر ذلك بزخم واسع للقطاع العقاري في البلاد، الذي هو على موعدٍ مع تسارع وتيرة الإنشاءات، ومع دخول سيولة جديدة إلى السوق، تسهم بدورها في عملية إنعاش واسعة لقطاع واجه عديداً من الصعوبات خلال الفترات الأخيرة تحت وطأة الأزمات المتلاحقة التي عانى منها الاقتصاد المصري.
ويعتقد محللون بأن قطاعات التشييد ومواد البناء والعقارات من أكثر القطاعات المتوقع أن تشهد طفرة غير مسبوقة خلال الاعوام المقبلة، كأحد التأثيرات الإيجابية للمشروع، مشددين على أن الاعتماد على الشركات العقارية وما يتبعها من صناعات وأنشطة متصلة لبدء تنفيذ ذلك المشروع الضخم سيدعم ويرفع نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بصورة كبيرة خلال المرحلة المقبلة، فضلًا عن تحسن مؤشرات ربحية الشركات العقارية وزيادة معدلات الطلب على أسهمها في سوق المال.
تأثيرات واسعة المدى
بدوره أفاد الرئيس التنفيذي لغرفة صناعة التطوير العقاري، أسامة سعد الدين، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن مشروع رأس الحكمة كان محل دراسة واسعة خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن تكون له تأثيرات إيجابية قوية على المنظومة الاقتصادية ككل بداية من حل أزمة الدولار وميزان المدفوعات، ودعم نشاط القطاع العقاري المصري خلال المرحلة المقبلة.
وأضاف: “خطة مصر 2030، على الصعيد العقاري تتضمن تنفيذ إعمار بنسبة 26 بالمئة، وهو ما يتطلب مجموعة كبيرة من المستثمرين المحليين والأجانب للعمل بجانب المطورين العقاريين ومن ثم تحقيق نسبة الإعمار المستهدفة ومضاعفاتها من النسبة الحالية”.
وأشار إلى أن مشروع رأس الحكمة يعتبر بداية قوية نحو تحقيق تلك المستهدفات على صعيد نسبة الإعمار في مصر، متوقعاً أن يرتفع الأجر اليومي للعاملين بالقطاع في ضوء نسبة التشغيل الكبيرة المتوقعة بمشروع رأس الحكمة، وبالتالي ارتفاع نسبة التشغيل.
وأوضح أن المنتجعات المستهدف تنفيذها في مشروع رأس الحكمة، ستتواكب مع المنتجعات التي تنفذ في قارة أوروبا، وهو ما سيزيد من معدلات التدفق عليها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تأثير المشروع أيضاً سينعكس على مختلف الصناعات ذات الصلة بالنشاط العقاري مثل مصانع الحديد المتوقع أن تعمل بأقصى طاقة إنتاجية لها.
طفرة متوقعة
من جانبه، أوضح مدير عام شركة تروث للاستشارات الاقتصادية والإدارية، رضا مسلم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن مشروع رأس الحكمة يعد تجربة إماراتية على أرض مصرية، مؤكدًا أن هذه المدينة لن تدار بأسلوب حكومي بل ستكون عبر أسلوب تجاري، خاصة وأن المطور الرئيسي الأساسي ممثلاً في شركة أبوظبي تهدف إلى تحقيق أرباح وعوائد تجارية، للجانبين المصري ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية وشركة أبو ظبي القابضة الإماراتية.
أضاف أن المدينة الجديدة العملاقة والمقرر إقامتها على 170 كيلو متر مربع، الغرض منها أن تندرج ضمن فئة المدن الذكية عبر الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن مراحل إنشاء هذه المدينة، تتمثل في تمهيد الأرض والبدء في بناء البنية التحتية من طرق ومواصلات وصرف صحي، وذلك قبل البدء في أعمال الإنشاءات، وهو ما سيتطلب دور واسع لشركات التشييد ومواد البناء، لذلك يمكن تأسيس شركات في مصر لهذا الغرض بالإضافة إلى استفادة الشركات المصرية عبر المساهمة في تنفيذ هذا المشروع.
كذلك أشار إلى أن مشروع رأس الحكمة ينقسم إلى منطقة سياحية ومرافقها الخاصة خاصة بالفنادق فضلًا عن المنتجعات وهو ما تتميز دولة الإمارات بشكل كبير، بالإضافة إلى القسم الثاني والخاص بمنطقة حرة وكذلك منطقة استثمارية تتضمن مدارس وجامعات.
وتوقع أن يسهم ذلك المشروع في طفرة ليس فقط على صعيد قطاع التشييد ومواد البناء، بل إحداث ثورة في مختلف القطاعات وتنشيط متنوع لمواجهة الطلب المتزايد على مواد البناء، كما سيسهم المشروع في دعم ملف العمالة والتي ستدخل في مختلف مراحل المشروع ومن ثم التحول من عمالة مؤقتة إلى مستدامة، وبما يسهم في حل مشكلة البطالة.
وأوضح مسلم في الوقت نفسه أنه عقب الانتهاء من التشييد والبناء بالمشروع، تأتي مرحلة التسويق العقاري بأسلوب اقتصادي هدفه تحقيق الأرباح لمصر بواقع 35 بالمئة من صافي الأرباح.
وأشار إلى أن المشروع له آثار إيجابية أيضًا على القطاع السياحي لاسيما مع الحديث عن استقطاب 8 مليون سائح إضافي عبر المشروع، لا سيما في ضوء مميزات موقعه ومقوماته وقربه من قارة أوروبا وبالتالي جذب مزيد من السياحة الأوروبية غير الاعتيادية، فضلًا عن دعم المشروع لمدينة العالمين.
نشاط قوي
ومن جانبه، أكد الخبير المصرفي والاقتصادي المصري محمد عبد العال، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الطفرة المتوقعة من مشروع رأس الحكمة لن تقتصر فقط على القطاع العقاري والمقاولات بل سيتبعها تنشيط حجم أعمال نحو 22 نشاطاً وصناعة مختلفة، في إطار بناء مدن تتمتع بمطارات وأسواق ومناطق صناعية.
وتوقع أن يكون القطاع العقاري من أفضل القطاعات المحققة لنمو غير مسبوق خلال العشر أعوام المقبلة سواء على صعيد معدل النمو من حيث حجمه ونشاطه ورأس ماله ومساهمته في إجمالي الناتج المحلي القومي أو من حيث تعاونه مع القطاعات الأخرى أو من حيث تأثيره في القطاع المصرفي.
وأوضح أن هذا القطاع ترتبط به قطاعات أخرى، وهو ما يعني أن زيادة معدلات نموه بدعم من هذا المشروع الضخم والبالغ استثماراته الإجمالية نحو 150 مليار دولار، سيضمن تشغيل عديد من الشركات الكبرى وتحقيق إيرادات على مدى أعوام، مع دخول نقد أجنبي مستدام، وبالتالي سيمثل أحد مصادر النقد الأجنبي المستقبلية، والتي قد تتفوق على إيرادات قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج.
وشدد على ضرورة إزالة المعوقات كافة أمام القطاع العقاري لجني ثمار المشروع وإنعكاسه الإيجابي على القطاع، مضيفًا أنه من المتوقع أن تتكاتف جميع البنوك وفروع البنوك الأجنبية نحو دعم مثل هذه المشروعات الضخمة وتوفير التمويل اللازم لها خلال المرحلة المقبلة.
بالإضافة إلى التوقعات الخاصة بالطفرة المتوقعة لجميع الشركات العاملة في القطاع العقاري من حيث تحسن مؤشراتها والربحية المالية وارتفاع أسهمها وزيادة الطلب عليها في البورصة.
منطقة جاذبة
وإلى ذلك، أوضح الخبير العقاري، عبدالمجيد جادو، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن تفاصيل مشروع رأس الحكمة المعلنة ستسهم في تعزيز تحول منطقة الساحل الشمالي في مصر إلى منطقة جاذبة في حال تنفيذها كما هو مخطط لها، بوجود تقنيات تكنولوجية وتطور فريد في المخطط المستهدف.
أضاف أن المضي قدماً في إنشاء مدينة في الساحل الشمالي يجب أن يتضمن الهوية والثقافة المصرية، للحفاظ على هويتها كمدينة مصرية، متوقعاً في الوقت نفسه أن ينعكس تأثير المشروع بصورة قوية على طفرة عقارية مباشرة في منطقة الساحل الشمالي، في ضوء ما ستشهده المنطقة من مشروع ضخم متكامل بالإضافة إلى التأثيرات الكبيرى على الاقتصاد المصري بمختلف قطاعاته.
وأوضح أن مشروع رأس الحكمة ومدينة بهذا الحجم سيكون لها مردود اقتصادي قوي، في ضوء مكانة مصر المميزة بين ثلاث قارات وقربها من أوروبا، الأمر الذي يعطي لها مزيد من الثقل والجذب الاستثماري القوي في ضوء تنوع الموارد والمناخ.