إحدى أبرز تلك التحديات تكمن في تأخر صرف الرواتب، حيث يعيش عديد من الموظفين تحت وطأة هذه المشكلة التي تؤثر بشكل مباشر على قدرتهم الشرائية. تأثيرات هذا التأخير تتسارع مع اقتراب شهر رمضان، مما يجعل الأوضاع المالية أكثر حساسية ويضع المواطنين في موقف صعب لتلبية احتياجاتهم الأساسية واستعداداتهم لشهر الصيام.
على صعيد آخر، يظهر سعر صرف العملة المحلية انخفاضًا متسارعًا، مما يعزز مشكلة نقص السيولة في السوق. هذا التدهور في الوضع الاقتصادي يؤدي إلى تقليل قدرة المواطنين على الوصول إلى الأموال النقدية ويعزز التحديات المالية التي يواجهونها.
وعلى الرغم من توقعات البنك الدولي في مطلع العام 2023 والتي أبدت نبرة أقرب إلى التفاؤل حول إمكانية التعافي الجزئي للاقتصاد الليبي من العوائق التي مر بها منذ عقد كامل، أسهمت الفيضانات الأخيرة التي شهدتها البلاد في نهاية سبتمبر في تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد والضغط بصورة أكبر على موارد الدولة.
ومع اقتراب شهر رمضان والذي يضغط بصورة عامة على الاستهلاك ويدفع معدلات التضخم في اتجاه الصعود تشهد السوق الليبية ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية الأساسية على وجه الخصوص، وهو أمر يضع ثقلاً إضافياً على أكتاف الليبيين. ويأتي هذا الارتفاع في ظل تقلبات الأسواق العالمية وضعف العملة المحلية، مما يجعل تحمل تكاليف الحياة أمرًا صعبًا للغاية.
إضافةً إلى ذلك، يتزايد الضغط على سلة السلع الأساسية خلال شهر رمضان بشكل كبير. حيث يشهد هذا الشهر تزايداً معتاداً في الاستهلاك والطلب على مجموعة واسعة من السلع، ما يعزز التوتر على الأسواق ويجعل من الصعب تلبية احتياجات المواطنين بشكل كامل.
وفي بلد انخفض فيه نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50 بالمئة بين عامي 2011 و2020، في حين كان من الممكن أن يرتفع بنسبة 68 بالمئة لو واصل الاقتصاد السير في اتجاهه قبل اندلاع الصراع، تظل الاضطرابات السياسية والأمنية عائقاً رئيسياً يلقي بظلاله على جميع أوجه الحياة، ويحرم الليبيين من استثمار ثروات بلادهم، ويضفي مزيداً من التأزيم.
الوضع الاقتصادي
يقول الخبير الليبي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، محمد الحمروني، إنه في ظل الوضع الاقتصادي الحالي في ليبيا، يشهد الشعب الليبي تحديات كبيرة قبيل استقبال شهر رمضان المبارك ومنها:
- ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق والزيت والسكر، ما يجعل الحياة صعبة على المواطنين.
- ارتفاع أسعار المحروقات يؤثر على التنقل والحياة اليومية.
- زيادة الاستهلاك والتضخم يؤثران على القوة الشرائية للدينار الليبي.
وكانت الحكومة الليبية قد أعلنت اعتماد قانون الرواتب الموحد، في نوفمبر 2022، إلا أن ذلك لم ينعكس على الموظفين في الدولة.
ويشير الحمروني، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن التأخر المتكرر لصرف المرتبات يزيد من الضغط على الأسر، هذا إلى جانب نقص السيولة النقدية في المصارف التجارية ونقص المحروقات في أغلب المدن الغربية والجنوبية مما يتسبب في انعدام شبه كلي للسيولة النقدية يؤثر على القدرة على الشراء.
ووفقًا للبنك الدولي معدلات البطالة تبلغ 19.6 بالمئة، وأكثر من 85 بالمئة من السكان النشطين اقتصادياً يعملون في القطاعين العام والاقتصاد غير الرسمي.
ويضيف الحمروني، إن ليبيا تعتمد على استيراد المواد الغذائية، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل غير مسبوق يؤثر على توافر هذه المواد ويزيد من التحديات.
ويشهد الدينار الليبي هبوطاً واسعاً في السوق الموازية للعملات، بلغ قرابة الـ 7.34 مقابل الدولار، وفي الوقت الذي يستقر فيه السعر الرسمي عند 4.85.
وخلال رمضان يزداد الاستهلاك وبالتالي ارتفاع الطلب الذي يواجهه زيادة في الأسعار، وهذا قد يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، بحسب الحمروني الذي يشدد على أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية تحتاج إلى تفعيل الضبط القضائي للمخالفين قبل رمضان.
- في ظل هذه التحديات الاقتصادية المتسارعة، يتساءل الليبيون عن مستقبلهم المالي وقدرتهم على تحمل تكاليف الحياة.
- يظل من الضروري أن يتخذ القادة السياسيون والاقتصاديون إجراءات فعالة للتصدي لهذه التحديات وتوفير حلول مستدامة تحفز على الاستقرار الاقتصادي وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين.
وكانت الحكومة الليبية قد خفضت من سعر الدينار في مواجهة الدولار في 2021، وأكدت وقتها على ضرورة مراعاة الفئات الأضعف والأقل دخلاً للتغلب على ما قد يطرأ على هذا التحرير الجزئي من ارتفاع في سعر بعض المواد الأساسية.
مؤشرات رئيسية
من ناحيته، يقول الخبير الاقتصادي الليبي، علي الصلح، إن هناك 4 مؤشرات أساسية تتعلق بالوضع الاقتصادي بالسوق الليبية؛ أولها معدل النمو الاقتصادي الذي يمكن وصفه بـ “المستقر” في الوقت الحالي بسبب استقرار معدلات إنتاج النفط بحوالي 1.2 مليون برميل يوميًا إن لم تحدث إغلاقات جديدة لأي أسباب فنية أو غير ذلك.
والمؤشر الثاني يتعلق بالارتفاع العام في الأسعار، وهي مستقرة لكن هناك انخفاض في السيولة في المصارف بسبب بعض الإجراءات الفنية في المصارف التجارية والمصرف المركزي، ومنها عمليات المقاصة بين الشرق والغرب، ووجود بعض المشكلات الفنية في العملات المطبوعة أخيراً.
والمؤشر الثالث يتعلق بوفرة السلة الأساسية من السلع، حيث يتوقع ألا تتأثر السلع الغذائية خلال شهر رمضان على الرغم من تأثرها في أوقات سابقة متأثرة بالاعتمادات المستندية من المصارف، مشيراً إلى أن هناك شركات حصلت فعلاً على الاعتمادات الخاصة بالسلة الرئيسية وبالتالي فإن أسعار هذه السلة لن تتأثر في رمضان.
وتطرق الصلح إلى أن ميزان المدفوعات مازال يشهد بعض التحديات بسبب ملف دعم المحروقات، وقال: “أتوقع أن حكومة الوحدة الوطنية ستخرج بعديد من النتائج لاستبدال الدعم حيث تبلغ فاتورة الدعم الحكومي للمحروقات ما يقرب من 74 مليار دينار ليبي”.
ويشير البنك الدولي إلى أنه على الرغم من التحديات العديدة التي تواجه ليبيا، يمكن أن يتحقق تعافي اقتصادها من خلال الاستفادة من موارد ليبيا المالية الكبيرة، بالبناء على أربعة ركائز:
• أولاً: التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام بشأن مستقبل ليبيا.
• ثانياً: إعداد رؤية مشتركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تستند إلى أدلة، وتُترجم إلى موازنة مالية وطنية للحفاظ على البنية التحتية الحيوية، وبناء رأس المال البشري.
• ثالثاً: وضع نظام لإدارة المالية العامة يتسم بالمساءلة والشفافية واللامركزية، ويضمن التقاسم الملائم للثروة النفطية والتحويلات المالية الحكومية، فضلاً عن تخطيط الموازنة وتنفيذها، ورفع التقارير بشأنها على نحو فعال.
• رابعاً: إصلاح شامل للسياسة الاجتماعية لخلق تمييز واضح بين التحويلات الاجتماعية إلى المحتاجين، وبين الأجور العامة.