ودفع الهجوم على مركز “كروكس سيتي هول” التجاري في موسكو، الجمعة الماضية، والذي أعلن تنظيم “داعش خراسان” مسؤوليته عنه، وقتل 139 شخصا وأصاب أكثر من 180 آخرين، بالتزامن مع عرض قصة جماعة “الحشاشين” في مسلسل تلفزيوني مصري خلال رمضان الجاري، البعض للبحث في العلاقات التاريخية بين التنظيمات الإرهابية التي تضرب في كل مكان، وأهدافها الحقيقية.
و”الحشاشون” طائفة شيعية إسماعيلية نزارية، أسسها حسن الصباح، واشتهرت ما بين القرنين 11 و13 ميلادي، وبشكل خاص في إيران والشام، قامت على الاغتيالات والإرهاب.
الدين والجنة والنساء
تقوم على جذب أعضاء فيها بسلاح الدين، وتؤسسهم على الإقبال على العمليات الانتحارية في مقابل “الاستشهاد ودخول الجنة”.
وبينما قالت بعض الروايات أن الحشاشين لجأوا إلى صنع ما يشبه “الجنة” في قلعة آلاموت، حيث قاموا بإعطاء مخدر الحشيش للأفراد المكلفين بالعمليات الانتحارية، ثم يرسلونهم إلى مكان معد سلفا به عدد من النساء الجميلات وشلالات مياه ولبن وعسل، كترجمة بصرية لشكل الجنة الذي جاء في الكتب السماوية.
وبعدها يرجعون الشخص “المختار” إلى معسكره، ثم يطلبون تنفيذ العمل الانتحاري مقابل عودته الدائمة إلى الجنة، وفق الرواية المتناقلة.
واغتالت الجماعة بالفعل عددا من الخلفاء والوزراء والشخصيات المعادية لها خلال صداماتها الطويلة مع العبيديين (الفاطميين) والعباسيين والسلاجقة والخوارزميين والأيوبيين والصليبيين.
وأما “داعش خراسان” فمقره في أفغانستان ويعمل في آسيا، وهو امتداد لتنظيم داعش الذي ظهر في سوريا والعراق عام 2014، ويغري أتباعه بالخلافة الإسلامية والجنة.
لكن التنظيم الأم الذي نشأ في سوريا والعراق استخدم بالفعل المخدرات والترامادول لإبقاء مقاتليه في حالة ذهنية تسمح لهم القيام بأي عمل وحشي دون خوف أو عمل انتحاري، بالإضافة إلى تزويجهم بفتيات قدمن من أوروبا ونساء تم اختطافهن من قراهم في العراق وسوريا.
وقدم التنظيم أيضا رواتب سخية بالدولار الأميركي لأفراده، ليصبح جاذبا من الناحية المادية والجنسية والدينية للتابعين الجدد.
اختلاف المذهب واتفاق العقيدة المتشددة
يقول الخبير في شؤون الجماعات الشيعية المسلحة، محمود جابر، إن تنظيم الحشاشين شيعي باطني، وهو أول تنظيم مغلق، بينما داعش تنظيم سُني، لكن تجمعهما أمور عدة :
• الانغلاق؛ فأي تنظيم متطرف هو تنظيم مغلق.
• لديهما أهداف معلنة لكسب الأنصار والأتباع، وأهداف خفية محصورة داخل قيادة التنظيم.
• التضحية بالأتباع لصالح مصالح التنظيم وقياداته.
• التركز في نفس المكان، وهو وسط آسيا، أفغانستان، وإيران.
• السعي للتمدد، فـ”الحشاشين” نجح لعقود طويلة في البقاء في مكان جبلي محصن، وامتد أتباعه من وسط آسيا إلى المغرب العربي، وكانت له جولاته ضد الدول القائمة حينها، و”داعش خراسان” في جبال أفغانستان، ويسعى للتمدد كذلك، واللعب على ظروف المنطقة، ويسعى للاستفادة من فشل تنظيم القاعدة وتراجع مكانته لتأسيس ما يسمى بدولة الخلافة.
• لا تخلو هذه الجماعات من الخروج عن الشريعة الإسلامية باللجوء إلى المخدرات والكحوليات وتقديم المغريات عبر النساء في صورة سبايا يتم أسرهن.
• مثل هذه التنظيمات دائما تؤسس لثلاثة فرق، وهي فرق “الرصد” أو الاستخبارات، وفرق “الانتحاريين” أو الاستشهاديين، وفرق الإعلام التي تروّج للتنظيم باعتباره دولة الخلافة.
وعن دافع “داعش خراسان” للهجوم على روسيا، لا يستبعد جابر أن يكون هذا مدفوعا من دول ما تريد إرسال رسالة إلى الدولة الروسية بأن أمنها الداخلي مستهدف، واستعانت في تنفيذه بأشخاص من طاجيكستان؛ أي من دولة كانت تتبع الاتحاد السوفيتي السابق، فلعبت على وتر إغرائهم بالمال من ناحية، والانتقام من دولة محتلة لبلادهم سابقا من ناحية أخرى، وكذلك اللعب على وتر ما يسميه التنظيم بـ”جرائم روسيا في سوريا”.
العمل نيابة عن آخرين
يتفق منير أديب، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، في أن مِن أوجه الشبه بين “الحشاشين” و”داعش خراسان” وجود مغريات كالنساء، سواء بشكل سبايا أو جوارٍ، مثلما شاهدنا من أسر داعش للأيزيديات في سوريا والعراق، واللجوء للمخدرات مثلما نقلت الروايات التاريخية عن الحشاشين أيضا، والاعتماد على العمليات الانتحارية تحت إغراء أن الجنة هي الجائزة الكبرى.
ويضيف أديب إلى ذلك:
• السمع والطاعة بشكل أعمى من الأتباع للقيادة.
• التنظيمات الإرهابية والمغلقة تعمل لصالح جماعات ودول أخرى في صفقات بين الجانبين، فرأينا “داعش” يعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين في محاولته لاغتيال وزير الداخلية المصري الأسبق، محمد إبراهيم، وقديما عملت “الحشاشين” لصالح الغير؛ حيث يُنسب لها قتل الأمير مودود، حاكم الموصل صاحب الحملات على الممالك الصليبية مثل إمارة الرها، واغتيال القائد فارس الدين ميمون الذي تصدى للصليبيين في طبريا سنة 1113 هـ؛ ما شكَّل نصرا للصليبيين بتخلصهم من عدو لدود بلا جهد.
ورغم إعلان تنظيم “داعش خراسان”، رسميا مسؤوليته عن الهجوم على “كروكس سيتي” في ضواحي موسكو، لا تزال أصوات داخل الإدارة الروسية تُلقي بالاتهامات على أوكرانيا بالوقوف وراء التخطيط للهجوم.
آخر تلك الاتهامات، ما ذكره الأمين العام لمجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، بأن أوكرانيا تقف وراء الهجوم؛ إذ قال ردا على سؤال عما إذا كانت كييف أو تنظيم داعش، يقف وراء الاعتداء: “بالطبع أوكرانيا”.
وجاء حديث “باتروشيف” متزامنا مع إشارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، إلى أن الهجوم نفذه متشددون إسلاميون، لكنه يصب في صالح أوكرانيا، وأن كييف ربما لعبت دورا في تنفيذه.