أوراق الضغط
يشير مراقبون إلى 5 أوراق ضغط مهمة قد تجبر طرفي القتال على إظهار جدية أكبر تجنبا لأي عقوبات محتملة.
ويلخص المراقبون تلك الأوراق في الكارثة الإنسانية والانتهاكات وجرائم الحرب والغضب الدولي حيال دور أطراف الحرب في إجهاض التحول المدني إضافة إلى ورقة الملاحقة القانونية في جرائم سابقة والتي بدأت منظمات حقوقية المضي فيها خلال الفترة الأخيرة، أما الورقة الخامسة فتتمثل في المخاوف المتصاعدة من التأثيرات الإقليمية والدولية للحرب.
وتبدو الورقة الإنسانية هي الأكثر قوة في ظل ارتفاع ضحايا الحرب المدنيين إلى أكثر من 15 ألف قتيل ونحو 9 ملايين مشرد و25 مليون محاصر بالجوع.
وعبر الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريتش عن المخاوف العالمية من التداعيات الكارثية للحرب على الأوضاع الإنسانية وما يمكن أن تجره لقادة أطراف القتال بالقول: “إن الهجمات العشوائية التي تقتل وتصيب وتروع المدنيين في السودان يمكن أن تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.”
وبالنسبة لورقة الغضب الدولي بشأن ربط الحرب بقطع طريق التحول المدني، فقد سلطت جلسة مجلس الأمن الأخيرة الضوء عليها بشكل صريح، حيث عزا ممثل الولايات المتحدة الأميركية السفير روبرت وود، سبب اندلاع الحرب إلى محاولة قائدي الجيش والدعم السريع قطع الطريق أمام التحول المدني.
وقال وود: “أرسل جنرالان متنافسان جيشيهما إلى المعركة بعد أن قادا معًا انقلابًا عسكريًا في عام 2021، أدى إلى قلب التحول الديمقراطي في السودان، ولا يزالان يقفان في طريق تحقيق مستقبل أفضل لشعب السودان”.
واتسقت تلك الرؤية مع المخرجات التي أسفر عنها مؤتمر باريس الأخير والذي أكد على دعم التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني، وعملية تمثيلية وشاملة يقودها ويملكها السودانيون وتؤدي إلى استعادة الحكم المدني.
وتتزايد المخاوف الدولية أيضا من التداعيات الخارجية للحرب، وهو ما عبر عنه جوزيف بوريل فونتيليس، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالقول، إن الحرب السودانية وضعت الأمن العالمي والإقليمي على المحك.
وأوضح فونتيليس: “يعد البحر الأحمر أهم رابط بحري لأوروبا مع آسيا والمحيط الهادئ، ويمكن أن يصبح السودان بابًا دوارًا للاتجار بالبشر والمقاتلين المتطرفين والأسلحة وجميع أنواع التجارة غير المشروعة بين منطقة الساحل وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى”.
العالم يتحرك
وكثفت الأطراف الدولية والإقليمية من تحركاتها لزيادة الضغط على طرفي القتال من أجل إنجاح المفاوضات، وسط تقارير عن خطوات يجري الإعداد لها للاتفاق على صيغة تدخل دولي أو إقليمي، وهو الأرجح، في حال فشلت المفاوضات باعتبارها الفرصة الأخيرة.
ويوم الجمعة طالب أعضاء في مجلس الأمن الدولي بضرورة التحرك سريعا لوقف الحرب، وقالوا إن الوضع في السودان يتجه نحو طريق مسدود وصراع طويل الأمد يؤدي إلى انهيار البلاد وتطال تداعياته المنطقة ككل.
وحمل متحدثون في الجلسة، قائدا الجيش والدعم السريع مسؤولية التدهور الذي آلت إليه الأوضاع في السودان، مشددين على الضغط على الأطراف المتحاربة لحملها على التفاوض.
وقبل ذلك بيوم واحد أعلن الاتحاد الأفريقي عن إجراء تحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت في الحرب الحالية السودان. ودعا الاتحاد أطراف النزاع للمشاركة الكاملة في عملية السلام الموسعة والأكثر شمولاً في جدة، بمشاركة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في أفريقيا “إيغاد” والدول المجاورة.
وجاء بيان الاتحاد الافريقي بعد أيام قليلة من اتفاق 20 دولة ومنظمة دولية وإقليمية على إعلان مبادئ لوقف الحرب في السودان وتنسيق الجهود لحل الأزمة المستمرة هناك، ودعم مبادرات الميسرين المشاركين لمحادثات جدة والاتحاد الأفريقي و”إيغاد”.
وفي هذا السياق، يقول السفير والخبير الأممي الصادق المقلي لموقع سكاي نيوز عربية إن الانتهاكات التي ارتكبها طرفا النزاع تشكل أبرز “كروت الضغط” عليهما.
ويوضح: “ما حدث في السودان منذ انقلاب أكتوبر وأثناء هذه الحرب من انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والفظائع التي ارتكبها طرفا النزاع كلها ترقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في الباب الثاني من ميثاق روما، ويجعل مرتكبي هذه التجاوزات عرضة للعدالة الدولية”.
تفاؤل محدود
وترى الكاتبة صباح محمد الحسن أن هنالك فرصا عديدة لإمكانية نجاح المفاوضات المقبلة وذلك بسبب الضغوط القوية التي يمكن أن يواجهها الطرفان، متوقعة تغير كبير في شكل وفود التفاوض، خصوصا وفد الجيش مما يجعله قادرا على اتخاذ القرار داخل غرف التفاوض بعيدا عن تأثير خلايا الإخوان السياسية في بورتسودان كما كان يحدث في الجولات السابقة، بحسب تعبيرها.
وتوضح الحسن لموقع سكاي نيوز عربية: “ظهر خلال الفترة الأخيرة تيار منفتح نحو الحل يقوده عدد من كبار الضباط، وقد يرأس الفريق شمس الدين الكباشي وفد الجيش، وربما يدفع الدعم السريع بشخصيات جديدة موازية لتمثيل المؤسسة العسكرية”.
وتشير الكاتبة إلى أن المفاوضات المقبلة قد تبدو الفرصة الأخيرة، مضيفة أن استباق مجلس السلم والأمن لموعد التفاوض ببيان، طالب فيه مجلس الأمن أن يعتمده كوثيقة عمل بهدف ضمان تعزيز التنسيق ومواءمة الجهود في السودان، يعد اتجاها واضحا وصريحا للتدخل الدولي في حال لم يلتزم طرفا الصراع بالتفاوض.
وترى الحسن إمكانية نجاح الخطوة الأفريقية، وتوضح: “بالنظر إلى تاريخ طلباته السابقة لمجلس الأمن الدولي لم يحدث أن اعترضت الدول التي تملك حق الفيتو مثل روسيا على الإطلاق على طلب من قبل كان مقدمه مجلس الأمن والسلم الأفريقي”.
ونبهت إلى أن نفاد صبر المجتمع الدولي وتلويح مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي بورقة التدخل الدولي وخوف القادة العسكريين من المآلات القانونية للانتهاكات والجرائم الإنسانية الخطيرة قد تدفع لتقديم تنازلات تجعل الجولة المقبلة تختلف عن سابقاتها.
وحول أوراق الضغط المتاحة، تقول الحسن “سيحاول الجيش المناورة سياسيا قبل انطلاق المفاوضات وسيسعى لتكثيف الحملات الإعلامية المضادة، في حين سيستمر الدعم السريع في توسيع سيطرته الميدانية، لكن يبقى الأهم هو ان المجتمع الدولي لن ينتظر كثيرا في ظل التدهور المريع في الأوضاع الأمنية والسياسية”.