بالطبع، عانى المتداولون في التنبؤ باتجاه مسار الاقتصاد، ومن الممكن أن تعود مخاوف الركود التي ساهمت في الانخفاض الأخير للظهور مرة أخرى بنفس السرعة التي اختفت بها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانتخابات الأميركية والتوترات الجيوسياسية تضيف عناصر أخرى من عدم اليقين.
لكن تحت السطح، هناك بعض الدلائل المطمئنة. من بينها: أن البيع أثر على شريحة صغيرة نسبياً من السوق، دون أن يصل إلى اتساع الانخفاضات التي تسببها رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، أو الجائحة، أو الأحداث المهمة الأخرى. وعلى الرغم من أن التقييمات معرضة لإعادة حساب أخرى إذا تباطأ الاقتصاد بالفعل، إلا أن مؤشر S&P 500 حافظ خلال التراجع الأخير على مستوى يشير – على الأقل للمحللين الفنيين – إلى استمرار ثقة المستثمرين.
عمليات بيع محدودة
في حين كان الهبوط الذي بدأ الشهر الماضي حادًا وسريعًا، مما دفع مؤشر ناسداك 100 الذي يعتمد على التكنولوجيا إلى تصحيح فني في غضون ثلاثة أسابيع، إلا أن هذا الانحدار كان مدفوعًا بعدد محدود من الأسهم.
خلال فترات الركود، هبط حوالي 5 بالمئة فقط من أسهم مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى أدنى مستوياته في عام واحد، وفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، واطلعت عليها سكاي نيوز عربية.
هذا يعني أن الانخفاض كان محدودًا للغاية مقارنة بالانخفاضات السابقة التي نجمت عن تحولات اقتصادية كلية كبرى. بعد أن دفع ارتفاع التضخم بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بقوة في عام 2022، انخفض ما يقرب من نصف المؤشر إلى أدنى مستوى له في 12 شهرًا. وأرسل الوباء حوالي ثلثي المؤشر إلى هذا المستوى.
انخفاض محدود
قبل الشهر الماضي، كان مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد مر بأطول فترة دون انخفاض بنسبة 2 بالمئة في يوم واحد، منذ بداية الأزمة المالية العالمية في عام 2007. ومن منظور واحد، فإن هذا يجعل التصحيح يبدو متأخرا للغاية.
على عكس مؤشر ناسداك 100 – الذي عكس انخفاضه مخاوف طويلة الأمد بشأن تقييمات التكنولوجيا المفرطة – لم ينخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أبدًا إلى منطقة التصحيح الرسمية، حيث ارتد بعد انخفاض بنسبة 8.5 بالمئة عن ذروته.
في عام 2022، انخفض المؤشر بنسبة 25 بالمئة قبل انتعاش مستدام. وخلال الأزمة المالية العالمية، انخفض بنسبة 57 بالمئة – ثم استغرق الأمر أربع سنوات للتعافي الكامل.
فوق مستويات رئيسية
كان المتوسط المتحرك لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 على مدار 200 أسبوع مؤشرًا قويًا لقاع المؤشر منذ مطلع القرن. ومؤخرًا، انتعش المؤشر القياسي بعد أن بلغه أثناء مخاوف النمو الاقتصادي في عام 2016، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2018 ومرة أخرى في عام 2022.
وهذه المرة، لم يقترب المؤشر من هذا المستوى حتى عند أدنى مستوياته. ورغم أن هذا يشير أيضاً إلى مدى التراجع الذي قد يطرأ على المؤشر في حالة تجدد عمليات البيع، فإنه يُظهِر أن المستثمرين كانوا واثقين بما يكفي للانقضاض على السوق قبل أن تختبر أدنى مستوياتها.
انتعاش قوي في اليابان
كانت اليابان في قلب الاضطرابات العالمية بعد أن أدى تشديد سياستها النقدية إلى دفع الين إلى أعلى مستوياته هذا العام، مما دفع صناديق التحوط إلى بيع الأصول للتخلص من (الكاري تريد أو carry trades) الممولة بقروض منخفضة التكلفة في اليابان.
الآن، بدأت العملة في التراجع مرة أخرى لأن صناع السياسات هناك سارعوا إلى طمأنة الأسواق بأن المزيد من رفع أسعار الفائدة غير وارد على الأرجح. وقد انعكس هذا على الأسهم في اليابان أيضًا.
علامات تحذير
من ناحية أخرى، لم ينتهي الخطر الاقتصادي المتمثل في انتظار بنك الاحتياطي الفيدرالي لفترة طويلة قبل البدء في خفض أسعار الفائدة. لذا فإن التعافي الأخير يعني أن المزيد من الهبوط الناعم يجري تسعيره، مما يعرض السوق لانزلاق آخر إذا ثبت أن ذلك غير صحيح.
يمكن رؤية أحد مقاييس ما يعول عليه المستثمرون في كيفية أداء الأسهم المرتبطة بالدورة الاقتصادية – أو ما يسمى بالقطاعات الدورية – مقارنة بنظيراتها الأقل تعرضًا.
في الولايات المتحدة، تظهر سلة غولدمان ساكس غروب التي تقيس التحرك النسبي بين المجموعات أنه في حين تراجعت الأسهم الدورية عن الأسهم الدفاعية في الآونة الأخيرة، فإن سعرها لا يزال يعتمد على النمو الاقتصادي.
الخميس، أعطت القفزة الكبيرة غير المتوقعة في مبيعات التجزئة مصداقية لهذا الرأي. لكن الأرقام السابقة أشارت أيضًا إلى تباطؤ في نمو الوظائف وتراجع النشاط في قطاع التصنيع.
قال مات ستوكي، كبير مديري محافظ الأسهم في نورث وسترن ميوتشوال ويلث مانجمنت: “لا أقصد أن أثير الذعر هنا، ولكن بالمقارنة مع فئات الأصول الأخرى، يبدو أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد أخذ في الاعتبار قدراً ضئيلاً جداً من عدم اليقين”.