وقد كان الاقتصاد الألماني هو الأضعف بين نظرائه في منطقة اليورو العام الماضي مع انكماشه بنسبة 0.3 بالمئة.
وقالت المصادر إن التضخم من المتوقع أن ينخفض إلى 2.2 بالمئة هذا العام، من 5.9 بالمئة العام الماضي.
ووفقا للمصادر ذاتها، فإنه سيكون حول مستوى 2 بالمئة الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي في العامين التاليين.
ورغم أن التضخم يتجه نحو الانخفاض، فإن الاستهلاك يظل ضعيفا، كما أن تكاليف الطاقة المرتفعة والطلبات العالمية الضعيفة وأسعار الفائدة المرتفعة لا تزال تفرض ضرائبها.
وسوف تبدأ سوق العمل التي كانت مرنة حتى الآن في الشعور بتأثير الضعف الاقتصادي. وقالت المصادر إن معدل البطالة سيرتفع هذا العام إلى 6.0 بالمئة من 5.7 بالمئة، وهو رقم لا يُتوقع أن يصل إليه مرة أخرى حتى عام 2026.
ترسم أحدث البيانات الاقتصادية صورة قاتمة. فقد أظهرت دراسة استقصائية يوم الثلاثاء أن معنويات الشركات الألمانية انخفضت للشهر الرابع على التوالي في سبتمبر وبأكثر من المتوقع.
أظهرت بيانات صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع انكماش نشاط الأعمال في ألمانيا في سبتمبر بأسرع وتيرة في سبعة أشهر، مما وضع الاقتصاد على المسار الصحيح لتسجيل ربع سنوي ثان على التوالي من انخفاض الناتج.
وبحسب المصادر، خفضت المعاهد الاقتصادية توقعاتها للسنوات المقبلة.
وقالت المصادر إن توقعات النمو لعام 2025 تم خفضها إلى 0.8 بالمئة من 1.4 بالمئة، وبالنسبة لعام 2026، تتوقع المعاهد نموًا بنسبة 1.3 بالمئة.
ومن المقرر أن تنشر المعاهد التوقعات الاقتصادية المشتركة يوم الخميس، وهو ما يعني أن الأرقام قد تتغير قليلا قبل ذلك.
وتقوم وزارة الاقتصاد بدمج التقديرات المجمعة من المعاهد – Ifo، وDIW، وIWH، وIfW، وRWI – في توقعاتها الخاصة.
وبحسب أحدث توقعاتها، تتوقع الحكومة الألمانية أن ينمو الاقتصاد بنسبة 0.3 بالمئة هذا العام.
ومن المقرر أن تصدر الحكومة تحديثا للتوقعات في أكتوبر.
تراجع الثقة
في سياق متصل، أظهرت بيانات الشهر الجاري، صادرة عن معهد البحوث الاقتصادية الألماني (زد.إي.دبليو)، أن ثقة المستثمرين الألمان تراجعت بأكثر من المتوقع في سبتمبر.
وأضاف المعهد أن مؤشره للمعنويات الاقتصادية انخفض كذلك إلى 3.6 نقطة من 19.2 نقطة في أغسطس. وكان محللون استطلعت رويترز آراءهم أشاروا إلى قراءة عند 17 نقطة.
وكان الاقتصاد الألماني قد تلقى ضربة جديدة مع تراجع الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي في الربع الثاني، مما أدى إلى تعميق حالة الركود التي تعاني منها البلاد، كما قضى على الآمال في الخروج أخيرًا من حالة الركود.
وقال مكتب الإحصاءات الألماني، في أغسطس الماضي، إن الانكماش بنسبة 0.1 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي تضمن انخفاضًا بنسبة 2.2 بالمئة في الاستثمار الرأسمالي وانخفاضًا بنسبة 0.2 بالمئة في الاستهلاك الخاص. في الوقت نفسه، ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 1 بالمئة.
عوامل مؤقتة
على الجانب الآخر، كان رئيس البنك المركزي الألماني، يواكيم ناغل، قد أكد أنه من المرجح أن يستعيد الاقتصاد الألماني زخمه بعد أن ثبت أن العديد من الأسباب وراء ضعفه الأخير قصيرة الأجل.
وقال ناغل في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء إن بعض العوامل التي تعيق النمو ــ والتي تشمل ارتفاع التضخم، والمستهلكين المترددين، وأسعار الفائدة المرتفعة ــ ربما تكون “مؤقتة” فقط، في حين أقر بوجود بعض المشاكل البنيوية الأطول أجلا والتي يجب معالجتها.
وأضاف “لذلك فإننا نفترض أن الاقتصاد الألماني يمكن أن يستعيد سرعته ببطء مرة أخرى”، على الرغم من أن النمو “يظل ضعيفا هذا العام”.
تأتي هذه التعليقات وسط مخاوف متزايدة من أن أكبر اقتصاد في أوروبا يعاني من الركود دون أن يتعافى سريعا في المستقبل القريب. وحذر البنك المركزي الألماني في وقت سابق من احتمال حدوث انكماش في الربع الثالث بعد انخفاض بنسبة 0.1 بالمئة في الربع الثاني.
وقد دعم أحدث مؤشر لمديري المشتريات المركب لشركة ستاندرد آند بورز غلوبال، والذي صدر يوم الاثنين، مثل هذا التقييم. فقد انخفض إلى 47.2 ــ وهو ما كان أكثر من المتوقع وأقل كثيرا من مستوى الخمسين الذي يفصل بين النمو والانكماش. وانخفض أيضًا مقياس توقعات الأعمال الشهري الصادر عن معهد إيفو يوم الثلاثاء.
ويشار إلى أن ضعف أداء ألمانيا يثقل كاهل منطقة اليورو التي تضم عشرين دولة، مع فشل التعافي الذي شهدته في بداية العام. وهذا من شأنه أن يغذي التكهنات بأن البنك المركزي الأوروبي قد يخفض أسعار الفائدة مرة أخرى في أكتوبر، بدلاً من الانتظار حتى ديسمبر.
ووفق ناغل، فإن برلين تواجه “تحديات بنيوية واسعة النطاق” – بما في ذلك أمن الطاقة، وسياسة المناخ، والبيروقراطية المفرطة، ونقص العمال المهرة. لكنه أكد أن هذه الصعوبات يمكن التغلب عليها.
وأضاف: “لا شك أننا نمر بعملية تغيير صعبة”، كما قال ناجل. “ولكننا قادرون على تشكيلها. وإذا صممناها بشكل صحيح، فسأقول بكل وضوح: لا، من وجهة نظري، ألمانيا ليست في حالة انحدار”.
الانكماش مستمر
من جانبه، قال الكاتب والمحلل عبدالرحمن عمار، من برلين، إن الانكماش الاقتصادي في ألمانيا مستمر على الرغم من التوقعات السابقة للبنك الدولي.
ومع ذلك، تستمر الأزمة نتيجة عوامل قديمة وجديدة.
من بين الأسباب القديمة، مسألة الطاقة، حيث توقفت ألمانيا عن الاعتماد على العديد من مصادر الطاقة الروسية، خصوصاً الغاز، الذي كانت تعتمد عليه بنسبة 70 بالمئة، بعد بدء الحرب في أوكرانيا، مما تسبب في نقص حاد في الإمدادات.
وأضاف في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: هناك أيضاً منافسة قوية بين ألمانيا والصين، خاصة في قطاع صناعة السيارات، الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد الألماني. مع ارتفاع تكاليف الطاقة والإنتاج، أصبحت السيارات الكهربائية الصينية أكثر تنافسية من حيث السعر، مما دفع شركات ألمانية كبرى مثل فولكس فاجن إلى اتخاذ خطوات تقشفية، بما في ذلك تسريح العمال وإغلاق بعض المصانع.
أشار عمار إلى أن ألمانيا يمكن أن تتغلب على هذه الأزمة عن طريق تحويل الإنتاج إلى مناطق أخرى خارج البلاد، مثل دول أوروبا الشرقية، حيث تكون التكاليف أقل.
ومع ذلك، فإن أسعار الفائدة اشكل تحدياً إضافياً، حيث أدى إلى تراجع المستثمرين في بورصة فرانكفورت، ما أثر على أسهم كبرى الشركات، وخاصة في قطاع السيارات.
مستقبل صعب
وفي تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، من برلين قال رئيس المنظمة الألمانية الروسية للتنمية، عبدالمسيح الشامي، إن الاقتصاد الألماني يواجه مستقبلًا صعبًا بسبب عاملين رئيسيين يدفعان نحو الانكماش المتوقع في العام المقبل وربما لسنوات قادمة.
وأضاف أن العامل الأول هو تراجع الدخل، والثاني هو زيادة الإنفاق بشكل ملحوظ، وكلاهما مرتبط بشكل مباشر بالحرب في أوكرانيا.
أوضح الشامي أن الحرب خلقت واقعًا جديدًا في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الموارد الرخيصة من الطاقة والمواد الأولية، خاصة من روسيا وأوكرانيا.
وعلى سبيل المثال، كان الغاز الروسي يصل إلى ألمانيا بسعر زهيد حوالي 75 يورو، فيما كانت ألمانيا تبيعه لدول الاتحاد الأوروبي بأرباح هائلة، تفوق حتى الأرباح التي كانت تحققها روسيا نفسها، ولكن بعد التغيرات الأخيرة، أصبحت ألمانيا تضطر لشراء الغاز بأربعة أضعاف السعر العالمي، ما يعكس حجم التحول الكبير في الوضع الاقتصادي.
إلى جانب هذا، أشار الشامي إلى أن الانقطاع في المواد الأولية، مثل الخشب والحديد والمعادن التي تستخدم في الصناعات التكنولوجية، كان له تأثير عميق على الاقتصاد الألماني. أيضاً توتر العلاقات مع الصين أدى أيضًا إلى تراجع الثقة بين الطرفين، مما أثر سلبًا على مستوى الاستثمار المتبادل.
من ناحية أخرى، أصبحت هناك أولويات جديدة للحكومة الألمانية، مثل تمويل الحرب في أوكرانيا وزيادة الإنفاق العسكري، بالإضافة إلى إعادة بناء الجيش. كل هذه العوامل تسببت في زيادة الإنفاق بمئات المليارات، بينما يتراجع الدخل بشكل ملحوظ.
بناءً على ذلك، خلص عبدالمسيح الشامي إلى أن الاقتصاد الألماني سيواجه تحديات كبيرة مع استنفاد المخزون الاستراتيجي للأموال والمواد الأولية، وتضاؤل القدرة على تعويض هذا المخزون، مما يجعل الانكماش الاقتصادي أمرًا شبه حتمي في المستقبل القريب.