ففي ظل ارتفاع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة، أصبحت هذه الأسعار محوراً رئيسياً للنقاشات الانتخابية وقضية محورية تؤثر في سلوك الناخبين الذين سيحددون نتائج الانتخابات.
وبحسب تقرير أعدته شبكة “نيوز نايشن الأميركية” واطلع عليه موقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، فقد قدم كل من الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس، وعوداً ومقترحات لتحسين الاقتصاد الأميركي في حال فوزهما، وخاصة فيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية.
ودعت هاريس الكونغرس إلى تمرير مشروع قانون، يحظّر التلاعب بأسعار المواد الغذائية ووعدت بمحاربة السلوك المناهض للمنافسة في صناعة الأغذية، فيما يعتقد ترامب أن الرسوم الجمركية وخفض تكاليف الطاقة، إلى جانب خفض الضرائب وأسعار الفائدة، خطوات من شأنها أن تُخفّض أسعار كل شيء بسرعة، بما في ذلك أسعار الغذاء.
الأميركيون يتأثرون بأسعار البيض
وفي الوقت الذي يسعى فيه كل من هاريس وترامب وقبل أقل من 20 يوماً على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في أميركا، إلى تقديم حلول فعالة لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فإن سلعة استهلاكية واحدة تخضع للتدقيق أكثر من غيرها من قبل المستهلكين الأميركيين وهي “البيض”.
حيث يتأثر الناس في أميركا كثيراً بأسعار هذا المنتج الغذائي، وهذا ما دفع صحيفة “التلغراف” البريطانية، للإشارة في وقت سابق من الشهر المنصرم، إلى أن “شطيرة البيض” باهظة الثمن، التي تباع بمبلغ 10.45 دولاراً في واشنطن، مقارنة بـ 4.50 دولاراً في لندن، قد تكون السبب وراء خسارة كامالا هاريس للانتخابات الرئاسية.
ويدرك الساسة في أميركا مدى تأثر المواطنين بأسعار “البيض”، ففي الشهر الماضي لفت مرشح الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس، إلى أن أسعار “البيض” عندما فازت كامالا هاريس بمنصبها كنائب للرئيس في 2020، كانت أقل من 1.50 دولار للدزينة، أما الآن فقد أصبح سعر الدزينة حوالي 4 دولارات.
ورغم الاتهام الذي وجهه البعض لفانس بتضخيمه نسبة ارتفاع الأسعار، إلا أن بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي، تظهر أن متوسط سعر بيع 12 بيضة في البلاد بلغ 3.82 دولاراً في شهر سبتمبر 2024، مسجلاً نسبة ارتفاع قدرها 193 في المئة في المئة مقارنة بالأسعار المسجلة في عام 2020 والتي بلغت حينها نحو 1.30 دولار للدزينة.
وبحسب تقرير أعدته “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” فقد كان “البيض” بمثابة علامة سوداء ملحوظة، في تقرير التضخم الأميركي عن شهر سبتمبر 2024، ففي حين ارتفع المعدل العام لأسعار الاستهلاك بنسبة 2.5 في المئة فقط.
إلا أن أسعار “البيض” قفزت بأكثر من 28 بالمئة، فانتشار إنفلونزا الطيور بشكل كبير في البلاد هذا العام، دفع المنتجين إلى ذبح عشرات الملايين من الدجاج المخصص لإنتاج “البيض”، وقد أدى ذلك إلى تدمير العرض ودفع الأسعار إلى الارتفاع.
منتج لا بديل عنه
وعادة، عندما يرتفع سعر أي منتج، يشتري الناس كميات أقل منه، وهذا ما من شأنه أن يقلل الطلب، ويؤدي بالتالي إلى خفض الأسعار، ولكن ها لا ينطبق على سلعة “البيض”، يقول بيل لاب، رئيس شركة أدفانسد إيكونوميك سوليوشنز، التي تتنبأ بأسعار السلع الأساسية، مشيراً إلى أن الطلب على “البيض” غير مرن نسبياً.
فرغم أن أسعار هذا المنتج ارتفعت بأكثر من الضعف في السنوات الأربع الماضية، إلا أن الفرد الأميركي العادي لا يزال يأكل بيضة واحدة في اليوم، وهو معدل استهلاك تم تسجيله لعقود من الزمان.
وبحسب لاب فإن أحد أسباب عدم مرونة “البيض “هو أنه أحد أرخص أشكال البروتين على الإطلاق، ويعتمد عليه المستهلكون كدعم لا بديل عنه، فمثلاً إذا ارتفعت أسعار لحم البقر، يمكن للمستهلكين التحول إلى لحم الديك الرومي أو الدجاج، وإذا ارتفعت أسعار الديك الرومي والدجاج، فإنه يمكنهم التوجه إلى “البيض”، ولكن عندما ترتفع أسعار “البيض”، فلا يوجد مكان آخر يذهبون إليه.
وتقول الصحفية الاقتصادية محاسن مرسل في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه منذ يناير 2022 تخوض مزارع الدواجن في أميركا معركة شرسة مع سلالة قاتلة وشديدة العدوى من إنفلونزا الطيور تحمل إسم H5N1، حيث نمت هذه السلالة بسرعة على مدار عامين لتصبح حالياً أكبر تفشي لإنفلونزا الطيور في تاريخ الولايات المتحدة.
وأشارت إلى أنه حتى بداية شهر أكتوبر 2024، أثرت H5N1 على ما أكثر من 100 مليون طائر في الولايات المتحدة وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وهو ما أدى إلى تعطل إمدادات “البيض” في البلاد، فمع فقدان العديد من الطيور بسبب الفيروس، بات إنتاج “البيض” لا يواكب الطلب من المستهلكين، وأدى هذا النقص إلى ارتفاع الأسعار.
وتكشف مرسل أنه خلال النصف الأول من 2024 شهدت أسعار البيض في أميركا بعض التراجعات الطفيفة، ولكن الأسعار عاودت مسارها التصاعدي حالياً تزامناً مع التحولات في عادات التسوق، إذ يميل الطلب على “البيض” إلى الارتفاع في الخريف والشتاء مع عودة الطلاب إلى المدارس، حيث يكون البيض ضمن وجبات الطعام البارزة في كافيتيريات وقاعات الطعام في المدارس والجامعات.
وتوقعت أن يستمر سعر “البيض” بالارتفاع في أميركا خلال الأيام والأسابيع المقبلة، تزامناً مع سحب ملايين “البيض” المصاب بالسالمونيلا من الأسواق.
وتشرح مرسل أن “البيض” يعتبر من المواد الغذائية الأساسية في النظام الغذائي للكثير من الأسر الأميركية، لذا فإن ارتفاع سعره يؤثر بشكل مباشر على ميزانية الأسر، مما يزيد من قلقهم بشأن الاستقرار المالي، كما أن المواطن الأميركي يعتبر أن أي زيادة في أسعار السلع الأساسية، مثل “البيض”، يمكن أن يكون مؤشراً على مشكلات اقتصادية أوسع، مشيرة إلى أن هذا التوجه تغذيه الوسائل الاعلامية الأميركية، فتصبح أسعار “البيض” محوراً للتقارير الإخبارية، مما يعزز الوعي العام حول الأسعار ويزيد من اهتمام الناس بهذا الشأن.
تأثير أسعار البيض على توجه الناخبين
وشددت مرسل على أن أسعار البيض ليست مجرد قضية فردية بالنسبة للمستهلك الأميركي، بل هي قضية مرتبطة بأسعار الغذاء عامة، مما يدفع الناخبين إلى إتخاذ قرارات بشأن المرشحين بناءً على كيفية تعاملهم مع هذه القضية.
فإذا ارتفعت أسعار البيض بشكل ملحوظ، قد يتجه الناخبون إلى دعم مرشحين يتبنون سياسات زراعية تدعم المزارعين وتساهم في استقرار السوق، معتبرة أن إدارة بايدن لا تتحمل بشكل مباشر مسؤولية ارتفاع أسعار البيض في البلاد.
إلا أن ذلك لم يمنع الحزب الجمهوري من استغلال ما حدث و الاشارة إلى أن هناك سوء تصرف تتحمل مسؤوليته الادارة الحالية المتمثلة بالمرشحة هاريس.
من جهته يقول المحلل الاقتصادي محمد الحاج، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن معظم الناخبين الأميركيين يعتقدون أن مرشحهم للرئاسة يمكنه فعل شيء ما لخفض أسعار الغذاء، ولكن الحقيقة هي أنه بينما يمكن للرئيس الأميركي التأثير على البيئة الاقتصادية بشكل عام، إلا أن تأثيره عادة ما يكون ضئيلاً للغاية على أسعار الغذاء.
ولن تشكل نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2024 خروجاً عن هذا المسار، لافتاً إلى أن هذا اللغط ليس بالمستغرب فالمرشحين الرئاسيين أنفسهم وبهدف كسب الأصوات يحاولون الادعاء بأن سياساتهم ستحوّل الأوقات السيئة إلى جيدة بسرعة وفعالية، فتاريخياً يملك رؤساء الولايات المتحدة القليل من السلطة للتأثير الفوري على أسعار المواد الغذائية وفواتير البقالة.
ويؤكد الحاج أنه بينما يلعب رؤساء الولايات المتحدة دوراً مهماً في تشكيل السياسات الاقتصادية والزراعية، فإن لديهم قدرة محدودة على التأثير الفوري على أسعار المواد الغذائية، التي تتأثر بعدة أسباب مثل عوامل العرض والطلب وحجم الإنتاج الموسمي بسبب الطقس أو الأوبئة.
كما يمكن للأزمات الجيوسياسية والمشاكل في سلاسل التوريد وتغيرات أسعار النفط والحروب التجارية أن تؤثر على أسعار الغذاء، مشدداً على أنه يمكن للرئيس الأميركي التأثير على السياسات الاقتصادية من خلال تشريع القوانين أو تنظيم الأسواق، وهذا يحتاج وقتاً لتحقيق النتائج، في حين أنه لا يمكن له منع أسعار البيض من الارتفاع بسبب إنفلوانزا الطيور.