ولكن السباق نحو البيت الأبيض لعام 2024 يشهد مفارقة فريدة، مع تحوّله إلى حدث مالي بالغ الأهمية، حيث تواجه أكبر الشركات في الولايات المتحدة مستقبلين ماليين مختلفين تماماً، يفصل بينهما مبلغ ضخم قدره “ربع تريليون دولار” سنوياً.
وبحسب تقرير أعدته “فايننشال تايمز” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن رقم “ربع تريليون دولار” يرجع إلى السياسات الضريبية المختلفة للمرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب، ويعتمد على تقديرات مصرف غولدمان ساكس، الذي أشار إلى أن اقتراح ترامب بخفض معدل ضريبة الشركات من 21 في المئة إلى 15 في المئة في حال فوزه، من شأنه أن يضيف 4 بالمئة إلى أرباح مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، في حين أن خطة هاريس لرفع ضريبة الشركات، من 21 في المئة إلى 28 في المئة، إضافة إلى مقترحاتها الضريبية الأخرى على الشركات، من شأنها أن تقلل الأرباح بنسبة 8 في المئة.
وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن تبلغ أرباح مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” نحو 2.2 تريليون دولار في العام 2025، فإن الفارق البالغ 12 في المئة بين تأثير سياسات المُرشحين الرئاسيين والذي ينتج مبلغ يقارب ربع تريليون دولار، يفسر سبب اهتمام الشركات الكبرى، بحماية مكاسبها المتأتية عن نتيجة هذه الانتخابات.
مسارين مختلفين تماماً
المسار الذي سيعتمده ترامب في تعامله مع الشركات، في حال عودته للمرة الثانية إلى البيت الأبيض، سيكون استكمالاً لما بدأه خلال ولايته الأولى، عندما وقّع في ديسمبر من عام 2017 قانون خفض الضرائب الذي يُعتبر الإصلاح الأكثر شمولاً للنظام الضريبي الأميركي في جيل كامل، حيث قام بتخفيض ضريبة الشركات من نسبة 35 في المئة إلى 21 في المئة. كما قام ترامب بإيقاف فرض الضرائب على الأرباح التي تحققها الشركات الأميركية في الخارج وتعيدها إلى الولايات المتحدة.
من جهتها هاجمت كامالا هاريس خلال حملتها الانتخابية قانون خفض الضرائب الذي أقر خلال عهد ترامب، ووصفته بأنه هدية للمليارديرات والشركات، مشيرة إلى أنه فشل في الوفاء بالمتطلبات، ووعدت بتصحيح مسار الأمور من خلال رفع الضريبة مجدداً.
قانون مثير للجدل
ويظل قانون خفض الضرائب إحدى النقاط المثيرة للجدل في أميركا، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن النتيجة الإجمالية للقانون، ساعدت الشركات على تحقيق ربح سريع ودائم في السنوات الأخيرة، إذ إستفادت هذه الشركات من الأموال الطائلة التي حققتها، وقامت بعمليات إعادة شراء للأسهم، بدلاً من استثمارها في توسيع أعمالها في البلاد. وبحسب “فايننشال تايمز” تُظهر البيانات أن قيمة عمليات إعادة شراء الأسهم قفزت فوق 800 مليار دولار عبر مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” لأول مرة في عام 2018 وظلت مرتفعة منذ ذلك الحين.
من جهة أخرى، وجدت النمذجة الاقتصادية التي أجراها خبراء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي إضافة إلى مستقلين، أن قانون خفض الضرائب أدى إلى توسيع الاستثمار الرأسمالي في الولايات المتحدة بنسبة 20 في المئة، في حين وجدت دراسة أجراها فريق من الأكاديميين بقيادة خافيير جارسيا برناردو من جامعة أوتريخت، أن شركات مثل ألفابت ومايكروسوفت وكوالكوم وميتا ونايكي وسيسكو، نقلت الملكية الفكرية إلى الولايات المتحدة الأميركية من دول أخرى في أعقاب إقرار هذا القانون.
رأي الشركات
ويقول رؤساء تنفيذيون لشركات من جنرال موتورز وأيه تي آند تي وكوالكوم وأمازون، إن قانون خفض الضرائب كان عاملاً مساهماً في اتخاذ قرارات بشأن بناء مصانع جديدة، أو القيام باستثمارات طويلة الأجل أخرى في الولايات المتحدة.
في وقت سابق من هذا الشهر، رأى جوزيف وولك، المدير المالي لشركة جونسون آند جونسون، أن “المعدل العادل” للضريبة البالغ 21 في المئة، كان عاملاً مساهماً في إنشاء الشركة لمنشأة جديدة لتوريد الأدوية في ولاية كارولينا الشمالية، لافتاً في حديث لشبكة “سي إن بي سي” إلى أنه في حال ارتفع معدل ضريبة الشركات إلى 28 في المئة، فإنه سيكون من الصعب جداً وضع هذه المنشأة في أميركا.
ويكشف روهيت كومار، الذي شارك في قيادة ممارسة الضرائب الوطنية، في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، والذي يقدم المشورة للعملاء من الشركات حول النتائج المحتملة للانتخابات الأميركية، أنه لا توجد طريقة لوصف ما يحصل في انتخابات الرئاسة الأميركية سوى أنه “حدث مالي مهم”، مع وجود فارق كبير بين الذي سيحصل في حال اكتسح الديمقراطيون أم اكتسح الجمهوريون، مشيراً إلى أن الشركات في أميركا تحجم عن الاستثمارات الكبرى، لأن نتيجة انتخابات الخامس من نوفمبر 2024 سيكون لها تأثيرات كبيرة على معدلات الضرائب، حيث لن تتمكن الشركات من معرفة مقدار تأثيرها عليها إلا بعد أن تتضح النتائج.
أحداث متشابكة
ويتوقع معظم المراقبين أن يعيد المشرعون الأميركيون النظر في معدلات الضرائب في عام 2025، ومع ذلك، فإن التنبؤ بنتيجة ما ستفضي إليه الانتخابات، أمر محفوف بالمخاطر، نظراً لمزيج الأحداث المتشابكة، إذ يجب أيضاً انتظار ما ستفضي إليه نتيجة الكونغرس الجديد، الذي سيتم انتخابه أيضاً في 5 نوفمبر ومعرفة هوية الحزب الذي سيسيطر على مقاعد المجلس، والذي سيكون له دور بإقرار تخفيض ضرائب الشركات أو رفعها.
ولا يتوجه الأميركيون في الخامس من نوفمبر 2024 إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للبلاد وحسب، بل في اليوم نفسه، سيجري كذلك انتخاب 469 عضواً للكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، حيث يحتدم الصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي على الفوز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات هذا العام، للسيطرة على الكونغرس في نسخته رقم 119.
تحوّل أولويات المرشحين
ويقول كبير محللي الأسواق المالية في FxPro ميشال صليبي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 تحوّلت بالفعل إلى حدث مالي مهم، ليس فقط للشركات الكبيرة بل لجميع أنواع الشركات ومختلف القطاعات، فعادة وعبر التاريخ كان السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض يشهد اهتماماً مكثفاً بالمواضيع السياسية والمواضيع الاقتصادية، التي تركز على إنفاق المستهلكين ورفاهية الأفراد، وكيفية تحسين أوضاعهم، ولكن مؤخراً بات اهتمام للمرشحين الرئاسيين مختلفاً عن السابق، حيث أصبحنا نرى تركيزاً على الحروب الاقتصادية والأدوات التي يمكن استخدامها في هذا المجال.
ويشرح صليبي أن هذا التحوّل في أولويات المرشحين، يعود إلى تغيّر طريقة نمو الاقتصاد في أميركا بشكل عام، فالتنافس اللامتناهي بين الولايات المتحدة من جهة والصين والاقتصادات الكبرى من جهة أخرى، إضافة إلى المخاطر الناتجة عن إمكانية انهيار صناعات وقطاعات اقتصادية لصالح المنافسين، يحتم على أميركا القيام بإجراءات تحافظ على قيادتها للاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن الطروحات الاقتصادية لكل من هاريس وترامب ستنعكس بشكل كبير على أداء الشركات في البلاد.
فوز ترامب سيريح الشركات
وبحسب صليبي فإن سياسة ترامب التي يتجه فيها إلى خفض معدلات الفائدة، وأيضاً معدلات الضرائب ستظهر آثارها الإيجابية بشكل مباشر وكبير على الشركات والأسهم الأميركية، فترامب يؤمن أن إبقاء الضرائب منخفضة سيدعم الشركات، الأمر الذي سينعكس بدوره إيجاباً على الاقتصاد، لافتاً إلى أن فوز الأخير بالرئاسة، ستكون له انعكاسات إيجابية من شأنها تحسين العجلة الاقتصادية، في حين أن تطلعات هاريس الاقتصادية تبدو مختلفة، وتركز على متابعة سياسة بايدن، لناحية اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لقرارات خفض الفائدة، بناءً على متابعة مستويات التضخم وبيانات الوظائف.
ويرى صليبي أن هاريس تخطط لرفع ضريبة الشركات بطريقة عنيفة، ولكن وصولها للرئاسة سيفيد قطاعات معينة، وتحديداً الشركات التي تعمل في مجال الطاقة النظيفة، معتبراً أن فوز ترامب وبشكل عام سيريح الشركات الكبرى، ولكن لا يمكن قياس جميع الأمور من منظار واحد، فوصول ترامب أو هاريس إلى البيت الأبيض، ستنتج عنه بعض القيود التي ستنعكس سلباً وبشكل غير مباشر، على أداء الشركات الكبرى وخصوصاً التكنولوجية.
هل تؤثر الشركات على الناخبين؟
وشدد صليبي على أنه من الطبيعي أن تفضل شركات الطاقة النظيفة وصول هاريس على ترامب، كونها داعمة لهذه الصناعة، في حين ستفضل شركات الطاقة التقليدية وصول ترامب، كونه داعماً لأعمالها، مؤكداً أن الشركات تملك قدرة التأثير على اتجاهات الناخبين، حيث هناك عدة رؤساء تنفيذيين يقومون بحملات واضحة تأييداً لوصول مرشح معيّن، ومنهم مالك منصة إكس الملياردير إيلون ماسك الذي يدعم وصول ترامب، فالشركات والشخصيات البارزة تمتلك القدرات المادية والمعنوية لدفع الناخبين نحو إتجاه ما.
الرئيس الأفضل للشركات
وكان رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets جو يرق قد كشف في حديث سابق لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه من المعروف أن قطاع الشركات والأعمال في أميركا، يفضل دائماً الرئيس الجمهوري على الرئيس الذي يمثل الحزب الديموقراطي، حيث ترى الشركات، أن وصول الجمهوريين إلى الرئاسة يخلق بيئة عمل أفضل من وصول الديمقراطيين، الذين يتشددون كثيراً في تطبيق القواعد، لافتاً إلى أن الأداء الاقتصادي لهاريس لن يكون مختلفاً عن أداء بايدن، في حين أن الرئيس ترامب، كونه جمهورياً ويأتي من خلفية رجل أعمال، يتمتع بتوجهات أكثر تساهلاً بشأن الأنظمة والقوانين المعمول بها، بعكس الديموقراطية هاريس.
وأضاف يرق إن الرئيس ترامب قام بتخفيض ضريبة الشركات في أميركا خلال ولايته السابقة، وفي حال عودته للحكم مرة جديدة وعد بتخفيضها مرة أخرى، في المقابل ستقوم هاريس برفعها، مشيراً إلى أن قسماً كبيراً من المصرفيين، يدعمون وصول ترامب كونه سيكون أكثر تساهلاً في التعامل مع هذا القطاع، مقارنة بهاريس التي ستستكمل نهج بايدن المتشدد، بتطبيق الأنظمة ولوائح الامتثال، حيث أن القواعد التي وضعها بايدن خلال عهده كلّفت القطاع المصرفي مليارات الدولارات.