وفي حين تحاول رسائل الجولاني تقديم صورة مطمئنة عبر وسائل الإعلام الغربية، تُظهر الوقائع على الأرض تناقضا واضحا بين الأقوال والأفعال، ما يجعل السوريين والمجتمع الدولي في حالة ترقب مشوب بالحذر.
الكاتب الصحفي عبدالله الحمد من دمشق يوضح أن “رسائل الجولاني الموجهة عبر الإعلام الغربي تحمل إشارات تطمينية للداخل والخارج، لكنها حتى الآن لا تتعدى إطار الأقوال”.
وأضاف خلال حديثه للظهيرة على “سكاي نيوز عربية”: “الواقع الأمني في إدلب وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام يعكس صورة مختلفة تماما، حيث تستمر الممارسات القمعية واعتقالات النشطاء”.
على الأرض، تشير التقارير إلى أن المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، مثل إدلب، تشهد احتجاجات متكررة ضد ممارسات حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة، حيث يصف الباحث السياسي محمد هويدي، حكومة الإنقاذ بأنها “تجربة فاشلة تقصي الأطراف الأخرى، ولا تمثل التنوع السوري”.
وأضاف هويدي: “الجولاني لم يقدم نموذجًا يليق بمرحلة انتقالية حقيقية، بل عزز قبضة هيئة تحرير الشام على المؤسسات، متجاهلًا دعوات الدمج والتشاركية”.
الصورة من قرية حضر
مراسلنا فراس لطفي من قرية حضر بريف القنيطرة الشمالي، ألقى الضوء على مخاوف السكان في ظل استمرار التوتر في المنطقة العازلة، حيث قال: “الحياة هناك غير مستقرة بسبب التحركات العسكرية الإسرائيلية اليومية، مما يفاقم قلق الأهالي الذين يخشون أن تصبح المنطقة ساحة لتكرار نموذج جنوب لبنان”.
وأضاف: “السكان يطالبون بإعادة الحياة الطبيعية واستعادة السيطرة السورية الكاملة على المنطقة، مع دعوات واضحة للحكومة السورية لضمان تمثيل شامل لكل المكونات”.
التحديات الإقليمية والدولية
أما على المستوى الدولي، فإن تصريحات الجولاني تأتي في إطار محاولات هيئة تحرير الشام تحسين صورتها، بهدف رفع العقوبات عنها وإزالتها من قوائم الإرهاب. لكن وفقًا للباحث هويدي، فإن “هذا التحرك لن ينجح ما لم تتبنَ الهيئة نهجا مدنيا شاملا، يشرك كل أطياف المجتمع السوري، ويستجيب للقرار الأممي 2254”.
ويشدد الكاتب عبد الله الحمد على أن “المجتمع الدولي لن يمنح الجولاني صك براءة، إلا إذا انتقل من حالة الحزبية الضيقة إلى دولة مدنية تحترم التعددية”.
وأضاف: “على الجولاني أن يُثبت بالأفعال، وليس الأقوال، قدرته على بناء نموذج حكم مستدام وشامل”.
وبين الرسائل الإعلامية للجولاني والواقع الميداني، يبقى مستقبل سوريا رهينا بقدرة الأطراف الفاعلة على تجاوز المصالح الضيقة. لا يمكن تجاهل أن استفراد هيئة تحرير الشام بالسلطة يعزز العزلة الدولية، مما يُنذر بمزيد من الأزمات للسوريين الذين طال انتظارهم للسلام والاستقرار.