ولم يستبعد خبراء تحدَّثوا لـ”سكاي نيوز عربية”، احتمالات التنسيق بين الحوثي والقاعدة، لافتين إلى أنه ليس أمرا جديدا، لكن من شأنه إشعال فتيل الأزمة لمستوى غير مسبوق.
وكشفت مصادر يمنية عن لقاءات عقدت في صنعاء والحديدة، بين الحوثيين وعناصر تنظيم القاعدة، بهدف إقناعهم بالمشاركة في العمليات البحرية واستهداف المصالح الغربية من خلال تنفيذ هجمات انتحارية.
حدود توظيف القاعدة عسكريا من جانب الحوثي
يقول الكاتب السياسي اليمني وضاح الجليل، لـ”سكاي نيوز عربية”، إنه لم يعد خافيا أنّ جماعة الحوثي استخدمت تنظيم القاعدة في الكثير مِن الحالات والمواقف لخدمة أجندتها ومخطّطاتها، برغم أنها تتهم خصومها بأنهم متطرّفون ويساعدون تنظيم القاعدة أو يموّلونه، كما أنها تصف أعداءها بأنهم دواعش، وكان هذا أحد مبرراتها في حربها ضد اليمنيين وفي انقلابها أيضا، ولا تزال توجّه لهم هذه التهمة.
حسب الجليل، أثبتت الكثير من الوقائع أنّ جماعة الحوثي استخدمت القاعدة في العديد من المهام، خصوصا في المناطق المحرّرة، أي مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وذلك لإحداث اختراقات أمنيه وتنفيذ عمليات اغتيالات لقادة عسكريين ومسؤولين ومجاميع من قوات الأمن والجيش وأفراد المقاومة، إلى جانب التفجيرات والاختطافات.
تخادم الحوثي والقاعدة
يُشير الجليل إلى أن التعامل بين القاعدة والحوثيين قد ظهر في الكثير مِن المواقف، واستغلّت جماعة الحوثي حوادث أمنية لتنظيم القاعدة في الدعاية لصالحها، وظهر تنظيم القاعدة في مناطق تماس بين الجيش والمليشيات التابعة للجماعة، ونفّذ عمليات إعدام مصوّرة لأشخاص جرى اختطافهم وإخفاؤهم من نقاط تفتيش، وزعم التنظيم خلال عمليات الإعدام أنهم عملاء لأجهزة الأمن اليمنية وأجهزة المخابرات الغربية.
هل تنفّذ القاعدة عمليات بالبحر الأحمر؟
وفق الجليل، تعلم جماعة الحوثي بصعوبة المهمّة التي أقدمت عليها في اعتداءاتها على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وأن صعوبة هذه المهمّة تتطلّب منها استخدام وابتكار الكثير من الأدوات، خصوصا أنها لا تنوي التراجُع أو وقف عملياتها في البحر الأحمر، ودخلت في تحدٍّ كبير مع الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما الغربيين.
ويُشير الكاتب اليمني إلى أن الجماعة، من خلال هذه الأخبار والتسريبات، تدرس حاليا خيار استخدام تنظيم القاعدة، لكون عناصر هذا التنظيم لديهم خبرات قتالية نوعية، وقدرات على توجيه ضربات موجعة وحسّاسة، إلى جانب استعدادهم لتنفيذ مهام انتحارية، وهو ما تفتقر له الميليشيا الحوثية.
وتعلم جماعة الحوثي أن بإمكانها استغلال الدافع العقائدي الذي يتوفّر لأفراد تنظيم القاعدة، وهو العداء الصريح للغرب، والذي عادة ما يلجأ التنظيم إلى استقطاب وتجنيد أفراده تحت تلك الشعارات، بينما لا يملك أفراد جماعة الحوثي نفس قوة الحافز والاستعداد للعمليات الانتحارية برغم أن شعاراتها موجّهة تجاه الغرب، بحسب الكاتب اليمني.
بوادر هدنة وتحالُف ضمني
يلفت الباحث المختصّ بشؤون الإرهاب محمد مختار قنديل إلى أن خريطة التفاعلات بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة خلال السنوات الأخيرة، تؤشّر إلى أن التحالف بين الطرفين ليس مستبعدا، لكن بشروط.
ويذكر قنديل، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، خلال العام الماضي ظهرت بوادر تجدّد الهدنة بين القاعدة والحوثيين، فمنذ يناير 2023، عقب توجيه خالد باطرفي في أثناء لقائه قيادات ميدانية؛ من بينهم أبو الهيجاء الحديدي، وأبو علي الديسي، وأبو أسامة الدياني، وأبو محمد اللحجي، بعدم توجيه ضربات في مناطق سيطرة الحوثيين، والتركيز فقط على عمليات ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، مما فسّر آنذاك بكونه بوادر تحالف ضمني أو بالمعنى الأدق هدنة بين الطرفين.
ويشير قنديل إلى أنه خلال الفترة من مايو إلى يوليو 2023، ظهرت مؤشّرات على تصاعد استخدام تنظيم القاعدة للطائرات المسيّرة، حيث شنّ نحو 7 هجمات في شبوه، مستهدفة القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
وعلى الرغم من نفي محمد علي الحوثي، في أغسطس 2023، مد القاعدة بطائرات مسيّرة، فإنه في سياق توقّف القتال بين الطرفين، هناك احتمال بأن تنظيم القاعدة حصل على دعم حوثي، بناء على المصالح المشتركة.
مؤشّرات التقارب
حسب قنديل، هناك عدة مؤشرات تدفع الطرفين للالتقاء، فمن ناحية تنظيم القاعدة:
- إقرار خالد باطرفي من قبل في نوفمبر 2021، بأزمات تنظيم القاعدة، وهي ما كانت سببا في تراجُع العمليات والمشاكل المالية.
- سعي تنظيم القاعدة في اليمن لكسب المزيد من الاستقلالية وتقوية شوكته، مما يدفعه للعمل خارج إطار القيادة المركزية، خاصة في ظل الخلافات حول تولي سيف العدل.
- يعطي التقارب هذه المرة مع الحوثيين، موضع قدم مرة أخرى للتنظيم في الظهور بمحاربة الولايات المتحدة العدو الأكبر وفق أدبياته.
ومن ناحية الحوثيين:
استمرار إغلاق الجبهة القتالية مع تنظيم القاعدة، فضلا عن استغلال التنظيم في تشتيت قوة المجلس الانتقالي الجنوبي.
محاولة كسب عناصر جديدة في الصراع، خاصة بعد أن تستر الحوثيون في تحركاتهم بالقضية الفلسطينية.
أثر التقارب على خريطة التفاعلات في اليمن
تفيد الشواهد، حسب قنديل، بأنه من وقت لآخر هناك هدنة متقطّعة بين الحوثيين والقاعدة، والشاهد الأكبر التقاربات في 2021 بحديث باطرفي، أو بإفراج الحوثيين عن عناصر قاعدية، ثم عاودت المناوشات التي لا ترتقي لأن تكون دليلا على مخالفة الهدنة، وبعدها يعود الطرفان حال التقاء المصالح للتحالف، كما كان في محاولة الحوثيين في 2022 لحشد مقاتلين من تنظيم القاعدة جانبها، من خلال عقد لقاء بين القاعدي نايف الأعواج وبين قيادات حوثية في صرف.
وعلى إثر هذه الطبيعة المتغيّرة في علاقة التقارب بين الطرفين، لا يمكن القول باحتمالية استمرار هذا التقارب، أو اتجاه تنظيم القاعدة للحضور القوي في المشاركة بالعمليات البحرية واستهداف المصالح الغربية.
سيناريوهات غير متفائلة
مِن جهته، يرى غريغوري جونسون، عضو سابق في فريق خبراء الأمم المتحدة باليمن، أن الصراع بات مهددا بما هو أسوأ في ضوء إعلان جماعة الحوثي عدم التراجع نهائيا عن العمليات التي تستهدف السفن بمنطقة البحر الأحمر.
ويشير جونسون، في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، إلى أن الأزمة تتجه لعدة سيناريوهات “غير متفائلة”، في ضوء تصعيد محتمل من الطرفين.
حسب جونسون، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من الانجرار مرة أخرى إلى الصراع في المنطقة، وفي الوقت نفسه، تبدو واثقة من أن الضربات العسكرية ستعيد تهديد جماعة الحوثيين إلى وضعها الطبيعي، وهذا تقدير خاطئ ربما سيؤدي لمزيد من الخسائر.
وأكدت المصادر أن الحوثيين حاولوا “إقناع عناصر القاعدة بالمشاركة في تنفيذ عمليات تستهدف السفن، باعتبارها ضد ما يسمّونه العدوان الأميركي”.
وحسب المصادر، فإن اللقاءات التي عقدت شارك فيها رجال دين موالون للحوثيين لإقناع عناصر القاعدة القيام “بواجبهم الشرعي”، وأن عملياتهم “جهادية” في مواجهة ما يسمّونهم الأعداء.
ووجّهت أطراف يمنية حكومية اتهامات للحوثيين بتنفيذ سلسلة اغتيالات مؤخرا في عدن، استخدم فيها عناصر من القاعدة.
ويشهد اليمن منذ قرابة عامين أحداثا أمنية وتبادُلا لإطلاق النار بين القوات الحكومية وعناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي تعدّه الولايات المتحدة أخطر فروع القاعدة.